بري يلاقي البطريرك .. ويبادر

سابين عويس – النهار

عندما قدم رئيس المجلس نبيه بري نصيحته الى رئيس الجمهورية ميشال عون غداة اتصاله به قبل أسبوع لإبلاغه بعزمه على توجيه رسالة الى المجلس حول مسألة التكليف، كان ينطلق من ادراكه التام بأن هكذا رسالة ومهما كانت نية الرئيس حسنة وصافية، لن تكون الا وسيلة لفتح سجال دستوري حول صلاحيات رئيس الحكومة المكلف، ليس الوقت مناسباً له، وفي أسوأ الاحتمالات، ستكون مدخلاً لفتنة، البلاد في وضعها المأزوم اليوم، في غنى تام عنها.

لم يلق رجاء بري ونصيحته اذناً صاغية لدى الرئيس، الذي ما ان أقفل الخط حتى اوفد الرسالة الى المجلس، ملقياً الكرة في مرمى البرلمان، متكئاً على اكثرية نيابية يملكها العهد الى جانب حلفائه، كفيلة بتعرية سعد الحريري وإضعافه، تمهيداً لدفعه نحو تقديم تنازلات، واذا لا، تُرفع مسؤولية التعطيل عن الرئيس.

كانت تغريدة للنائب سليم عون قبل الجلسة النيابية كافية لإعطاء مؤشر على هذا التوجه، اذ قال في تغريدته ” تابعوا اليوم جلسة المجلس النيابي لمناقشة رسالة فخامة الرئيس، كي تعلموا من هي الأكثرية النيابية الحقيقية وتعرفوا عليها”.

لكن حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر. ولم تكن صدفة ان يعطي بري الكلام في بداية الجلسة لرئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد الذي حدد بوصلة الأكثرية وابرز تفاهماً كاملاً بين الحزب ورئيس المجلس على إطلاق يد الاخير في ادارة الازمة المستجدة واحتواء تداعياتها، ومنعها من جر البلاد الى مناخ فتنوي، تتبلور ملامحه يومياً في تحركات تعيد الى الاذهان مشهد الحرب الأهلية.

والواقع ان موقف الحزب كان سمعه أركان في “التيار الوطني الحر” بجملة مختصرة مفادها “راجعوا ابو مصطفى”.

استدراك بري للازمة الدستورية التي قد تنشأ عن رسالة رئيس الجمهورية في أحسن الاحوال، وللفتنة الطائفية المحتمل تفجرها في أسوأ الأحوال ، دفن المشكلة في ارضها، مجدداً تكليف الحريري، من جهة وبلسان رئيس تيار العهد نفسه، ومبعداً كأس التعديل الدستوري من جهة اخرى وباللسان عينه!

لا يخفي بري امام “النهار” قوله ان مسألة اعادة النظر في تفسير بعض بنود الدستور مطروحة، ولكن الاكيد ان الوقت اليوم ليس مناسباً أبداً لهكذا طرح. ذلك ان فتح هذا الباب من شأنه ان يستدرج الامور الى أماكن اخرى لا وضوح بعد او توافق على مقاربتها.

نجاح بري في احتواء ازمة الرسالة منحه دفعاً لاعادة احياء مبادرته. وكانت كلمته في ذكرى التحرير امس مناسبة لاعادة الزخم اليها. شجعه على ذلك كلام البطريرك الماروني بشارة الراعي في عظة الأحد الذي دعا الرئيس المكلف الى المبادرة فوراً الى إعداد تشكيلة جديدة والا الذهاب الى قرار جريء، ليس عملياً الا الاعتذار.

أعطى البطريرك الرئيس بري مفتاحاً ليفتح به قفل التأليف العالق. فقال ان “المدخل الإلزامي للانقاذ ان يبادر المعنيون بالتأليف ان يبادروا اليوم وقبل الغد ومن دون شروط مسبقة”. ذهب ابعد في تحديد مواصفات الحكومة “أعضاؤها من ذوي الاختصاص غير الحزبيين، بلا الثلاث معطلة فيها لأحد، وفقاً لما نصت عليه المبادرة الفرنسية، برنامج عملها الوحيد، انقاذ لبنان واستعادة ثقة ابنائه به وبمؤسساته، وثقة العالم”.

في دعوته للاحتكام الى الدستور في مقاربة الملف الحكومي، عكس بري اقتناعه بأن مسؤولية التأليف تقع على عاتق الرئيس المكلف.

من هنا، تكشف المعلومات المتوافرة على ضوء كلام بري ان الرجل سيطرح مبادرة تقوم على طرح لائحة جديدة من الاسماء يتم التفاهم عليها مع البطريرك.

ولم ينف بري هذه المعلومات، كاشفاً عن عزمه على تحريك الاتصالات ولا سيما مع الرئيس المكلف من اجل فتح ثغرة في حائط التأليف.

هل لمبادرة بري حظوظ في النجاح؟ لا تزال المناخات المتشنجة السائدة غداة جلسة المناقشة وبنتيجتها بعد السقف العالي للحريري تعكس تعذرا في احداث هكذا خرق. ولكن بري يعول على ملاقة البطريرك له للوصول الى قواسم مشتركة، خصوصًا وانه بعد جلسة السبت والمكاشفة التي قدمها الحريري، ضاقت الخيارات امام رئيس الجمهورية وفريقه السياسي في ظل الاحراج الذي احدثه للاكثرية التي يستنجد بها، ولم يعد هامش المناورة يتسع لمزيد من الارانب، ولا سيما على المستوى المسيحي، بعدما اتضح ان الاسماء التي اوردها الحريري للتزوير انتقاها من لائحة سلمه اياها عون، لكنه عاد وعدل عنها، كما تقول مصادر سياسية مواكبة!

Leave A Reply