الجمهورية : إستشارات الخميس بين الإجراء والتأجيل ‏‏. . بري: التكليف بين الرمادية والضبابية

جاء في صحيفة ” الجمهورية ” : استذكرت الثورة ذكرى انطلاقتها الأولى في 17 تشرين، في تظاهرات ‏عمّت المناطق اللبنانية، وجاءت تعبيراً عن حالة الغضب مما آلت إليه ‏الأمور، في ظلّ رفض السلطة الإنصات إلى وجع الناس وعدم إقدامها ‏على تحقيق الإصلاحات المطلوبة من أجل فرملة الانهيار. وعلى رغم ‏المشهد الوحدوي للثورة العابر للمناطق والطوائف كتعبير رفضي، إلّا ‏انّها لم تتمكن بعد عام على انطلاقتها من توحيد صفوفها وخطابها ‏وبرنامجها، الأمر الذي انعكس على زخمها وديناميتها، فاستفادت ‏السلطة من تراجع الضغط الشعبي، الذي من ضمن أسبابه وباء ‏كورونا والوضع المعيشي. ولكن، ما لم تستطع لا السلطة ولا غيرها ‏من تغييره والقضاء عليه، هو حالة الوعي السياسي الذي أحدثته ‏الثورة، وجعلت معظم اللبنانيين معنيين بالشأن العام وعلى أتمّ ‏الاستعداد لممارسة دورهم في المحاسبة في صندوق الاقتراع، عندما ‏يحين وقت الانتخابات النيابية.

أما في السياسة، فكل الأنظار شاخصة ‏إلى الاستشارات النيابية الملزمة يوم الخميس، وما إذا كانت ستبقى ‏في موعدها المقرّر أم سيصار إلى تأجيلها، كما حدث في الجلسة ‏السابقة، في الوقت الذي كرّر فيه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران ‏باسيل التأكيد أنّه لن يكلِّف الرئيس سعد الحريري، فيما نشطت ‏الاتصالات على أكثر من مستوى داخلي وخارجي، في محاولة لتثبيت ‏جلسة الخميس وخروج الحريري منها رئيساً مكلّفاً، وبدأ البحث عن ‏المخارج المحتملة، في ظلّ السعي لعدم إظهار الحريري وباسيل في ‏موقع المتراجع أمام الآخر، والسيناريو الأكثر ترجيحاً، والذي يُعمل ‏عليه، يستند إلى زيارة يقوم بها الحريري إلى القصر الجمهوري، ويعلن ‏من القصر انّه بعد تكليفه يفتح باب التشاور مع رؤسا الكتل حول ‏الحكومة العتيدة.‏

ويبدو انّ هذا المخرج هو الأقرب إلى الواقع، لأنّ لا الحريري في وارد ‏التواصل مع باسيل والظهور بمظهر المنكسر أمامه، ولا باسيل في ‏هذا الوارد أيضاً، فضلاً عن انّ بعبدا ستكون محرجة كثيراً بتأجيل متكرّر ‏من دون أسباب موجبة حقيقية، خصوصاً وانّ البلاد لا تتحمّل مزيداً ‏من التأجيل والمراوحة والتشنّج، فضلاً عن انّ الدخول الدولي على ‏الخط يضغط في اتجاه إنجاز التكليف كخطوة أولى تفتح باب التأليف.‏

‏ ‏ولاحظت مصادر معنية، “أنّ هناك من كان يريد ان يحرج الحريري ‏بالتأجيل ليخرجه فيعتذر عن المهمة، ولكن هذه المهمة فشلت مع ‏استيعاب الحريري هذه المحاولة، بعدم التعليق والإصرار على تكليفه، ‏ومع نضوج الاتصالات تتجّه الأمور الى الحسم يوم الخميس، إلّا في ‏حال طرأت عوامل غير منظورة”. وقالت هذه المصادر لـ”الجمهورية”: ‏‏”انّ التكليف لا يعني انّ طريق التأليف ستكون معبّدة وسهلة ‏وسالكة، في ظلّ خلاف مستحكم بين وجهة نظر الحريري بتأليف ‏حكومة من الاختصاصيين، طالباً من القوى السياسية ان ترتاح لفترة 6 ‏اشهر، وبين هذه القوى المتمسّكة بوجهة نظرها لجهة تسمية الوزراء ‏وربما الحقائب. ولكن الأكيد انّ الجميع سيكون خلال هذه المرحلة في ‏انتظار ما ستسفر عنه الانتخابات الرئاسية الأميركية، وبعدها يُبنى ‏على الشيء مقتضاه”.‏

‏ ‏احتمالان

ولكن اوساطاً سياسية واسعة الاطلاع قالت لـ”الجمهورية”، انّه على ‏بُعد أيام من الموعد الثاني للاستشارات، هناك احتمالان في شأن ‏سيناريو الخميس المقبل:‏

‏ ‏ـ الاحتمال الأول، هو ان تحصل الاستشارات وان يتمّ تكليف الرئيس ‏سعد الحريري بأكثرية الاصوات، بمعزل عن مآخذ الرئيس ميشال عون ‏و”التيار الوطني الحر” على ترشيحه، وذلك انطلاقاً من فرضية انّ ‏رئيس الجمهورية لا يستطيع أن يتحمّل تبعات تأجيل آخر، وسط تفاقم ‏الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية، على أن ينتقل بعد ذلك الى خط ‏الدفاع الثاني المتمثل في استحقاق التأليف، متسلحاً بتوقيعه ‏الدستوري الالزامي، للجم اندفاعة الحريري وَتصويب قواعد تشكيل ‏الحكومة وفق معايير قصر بعبدا.‏

ـ الاحتمال الثاني، هو ان يلجأ عون الى إرجاء الاستشارات مرة أخرى، اذا ‏وجد انّ اسباب تأجيلها لم تنتف بعد، خصوصاً لجهة ضعف الميثاقية ‏المسيحية وعدم احترام وحدة المعايير في المقاربة الحكومية، على ‏حساب المسيحيين عموماً والجهة الاوسع تمثيلاً لهم خصوصاً.‏

‏ ‏رمادية وضبابية

في غضون ذلك، نُقل عن رئيس مجلس النواب نبيه بري قوله، انّ ‏الاجواء المحيطة بالملف الحكومي لا تزال رمادية وضبابية، نتيجة ‏جمود الاتصالات والمشاورات، بعد تأجيل استشارات الخميس الماضي، ‏مع أمله في أن يتحرك نحو الأمام هذا الأسبوع.‏

‏ ‏لا حراك حكومياً

وخلال عطلة نهاية الأسبوع التي جاءت في منتصف الطريق بين ‏الموعد المؤجّل للاستشارات النيابية الملزمة وتلك المنتظرة، لم ‏يُسجّل اي حراك يتعلق بالملف الحكومي، بعدما تحدثت اوساط ‏التيارين “البرتقالي” و”الأزرق” عن “كربجة” في الاتصالات، زاد منها ‏البيان الذي صدر السبت الماضي عن المجلس السياسي لـ”التيار ‏الوطني الحر”، الذي أقفل كل اشكال التواصل بين التيارين، من خلال ‏اعلان رفضه النهائي تسمية الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة، على ‏قاعدة انّ حكومة الإختصاصيين لن تُشكّل إلّا إذا كان الإختصاصي على ‏رأسها، وهو ما يعني انّه لا موقع للحريري فيها، كما ليس لغيره من ‏التيار او غيره من الأطراف السياسية والحزبية.‏

‏ ‏بعبدا لا تتكهن

وقالت مصادر مطلعة لـ”الجمهورية”، انّ كل ما يُقال عن تأجيل ‏الاستشارات النيابية الملزمة المقرّرة الخميس المقبل مرة أخرى او ‏عدمه، هو من اصعب التوقعات في مثل هذه الظروف التي تعيشها ‏البلاد. وأكّدت انّ دوائر القصر الجمهوري لا يمكنها ان تتكهن من اليوم ‏بمصير الإستشارات، وانّها ترصد حركة المشاورات والوساطات الجارية ‏بصمت ومن دون أي تعليق، في انتظار ما يشير الى مصيرها، في ‏ظلّ مجموعة من التعقيدات المتشابكة التي تفيض بالمواقف ‏المزدوجة.‏

‏ ‏وساطة فاشلة

وتحدثت المصادر لـ “الجمهورية” عن وساطة يقودها احد رجال ‏الأعمال من الاصدقاء المشتركين للحريري وباسيل، ولكنها لم تصل ‏بعد الى اي نتيجة بعد. ولم تكشف المصادر اي تفاصيل، لئلا يُقال انّه ‏قد عجز حتى الأمس عن فتح اي ثغرة في الحائط السميك القائم بين ‏الرجلين، وجعل مهمته من اصعب المهمات التي يقوم بها.‏

‏ ‏وتزامنت هذه المعلومات مع مجموعة من الرسائل السلبية التي ‏تلقاها المسؤولون من اكثر من قطاع، رفع الصوت عمّا يهدّد معظمها، ‏ولا سيما من القطاعات الإقتصادية والمالية والسياحية والطاقة، وتلك ‏التي ينتظرها القطاع التربوي، في ضوء الإقفال الذي ما زال مسلسله ‏مستمراً بين المناطق اللبنانية كافة، وهو ينعكس بقوة على مصير ‏السنة الدراسية التي ستفقد كثيراً من مقومات الصمود لتجاوز ترددات ‏الجائحة على اكثر من مستوى.‏

‏ ‏‏”التيار”‏

ونقلت قناة “‏OTV‏” عن مصادر “التيار الوطني الحر” تأكيدها أن ليس ‏هناك أي تواصل بين الحريري وباسيل، “فالأخير لم يطلب أساساً أن ‏يلتقي الحريري ولم يرفض أي طلب من جانبه، لكن لا الاتصال ولا ‏اللقاء سيغيّر من الموقف بعدم تسميته، والسبب هو أنّه لا تنطبق ‏عليه صفة الاختصاص التي نصّت عليها المبادرة الفرنسية”. وأوضحت ‏المصادر، أنّه “اذا انتقل البحث الى حكومة سياسيين او تكنوسياسيين ‏فلا مانع، ولكن مثل هذه الحكومة لها معاييرها الدستورية ‏والانتخابية”.‏

‏ ‏ونسبت ‏OTV‏ الى “مصادر مطلعة” قولها، إنّه “لم يطرأ أيّ عنصر ‏جديد على صعيد الاتصالات الحكوميّة، والاستشارات قائمة في ‏موعدها، لكن هناك تخوّفاً من أن يكون هناك تكليف وبعدها تعثّر في ‏التأليف، خصوصاً بعدما اتضح أنّ هناك فريقين هما الثنائي الشيعي ‏والحزب التقدمي الاشتراكي يصرّان على تسمية الوزراء من حصتهم”.‏

‏ ‏صمت حتى الخميس

وقالت مصادر “بيت الوسط” لـ”الجمهورية”، انّ الصمت الذي ‏يسوده، باقٍ حتى يوم الخميس المقبل، وليس هناك من جديد يمكن ‏البناء عليه. ولفتت الى انّ ما هو مطروح للخروج من الأزمة، عبر آلية ‏المبادرة الفرنسية بات واضحاً، ولا يحتاج الى كثير من التوضيحات، وانّ ‏على الكتل النيابية أن تقول كلمتها الخميس في ما هو مطروح بما ‏تراه مناسباً من موقف.‏

‏ ‏ونفت هذه المصادر ما تردّد عن لقاء محتمل اليوم بين الحريري ‏ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع.‏

‏ ‏مواقف

وفي جديد المواقف السياسية، استذكر البطريرك الماروني مار بشارة ‏بطرس الراعي الثورة، فإنتقد المنظومة السياسية التي “تتجاهل عمداً ‏وإهمالاً وازدراء مطالب المتظاهرين وشعبنا”.وقال: “من منكم، أيها ‏المسؤولون والسياسيون، يملك ترف الوقت لكي تؤخّروا الاستشارات ‏النيابية وتأليف الحكومة؟ من منكم يملك صلاحية اللعب بالدستور ‏والميثاق ووثيقة الطائف والنظام وحياة الوطن والشعب؟ إرفعوا ‏أيديكم عن الحكومة وأفرجوا عنها. فأنتم مسؤولون عن جرم رمي البلاد ‏في حالة الشلل الكامل، إضافة إلى ما يفعل وباء كورونا”.‏

‏ ‏ودعا الراعي الثورة الى ان “تطل بقيادة جديدة متفاهمة مع بعضها ‏البعض، تمثل الشعب وتحاور الدولة والمجتمع الدولي” ووصفها بأنّها ‏‏”فرصة لبنان لكي يغيّر من خلال الديموقراطية والتراث والقيم”.‏

‏ ‏عودة

ومن جهته، متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران ‏الياس عوده استذكر الثورة في سنويتها الاولى، فقال في قداس الاحد ‏في كاتدرائية مار جاورجيوس في وسط بيروت “منذ عام، فرحْنا واليوم ‏نفرح ببدء تشكّل الوعي الوطني الصادق الذي يرفض التبعية ‏والإستزلام، ويفضح الفساد وسوء الحكم والإدارة، وينشد الدولة ‏العادلة، دولة القانون والمؤسسات. لكن هذا الفرح يتلاشى مع عودة ‏الروح الطائفية والقبلية والحزبية. لقدْ أثبتنا أننا لا نزال شعباً يحتاج ‏الكثير من الوعي والحرية”. وأضاف: “نحن نعيش في فساد سياسي ‏وأخلاقي يقودنا إلى موت حتمي. ألا تثبت المماطلة في اتخاذ ‏القرارات المهمة أنّ دولتنا مائتة ومميتة في آن؟ لِمَ كل هذا التردّد ‏والتأجيل في تشكيل حكومة تنقذ الوطن الجريح والشعب الكسيح؟ لِمَ ‏كل تلك الإجراءات الخانقة والعراقيل الواهية؟ لِمَ لا نطبّق الدستور ‏وننفذ بنوده دون اجتهاد أو تحريف؟ هل بسبب عبادة الأنا؟”.‏

‏ ‏ولاحظ “انّ اللبنانيين ما زالوا يصفّقون للزعماء الذين يهدرون ‏مستقبلهم ومستقبل أولادهم، ويضيّعون الفرصة تلو الأخرى لإنقاذ ‏البلد، ولا يهتمون للوقت الذي يمرّ، ويجرّ وراءه ما تبقى من أمل في ‏انتشال البلد من الحضيض، متمسكين بمماحكاتهم التافهة ومطالبهم ‏العقيمة. ما زال عدد الوزارات وأسماء الوزراء والحصص أهم من مصير ‏لبنان واللبنانيين. يهتمون بأمور كثيرة والحاجة إلى أمر واحد: إنقاذ ‏البلد والتكاتف والعمل الجدّي من أجل ذلك”.‏

‏ ‏الهيئات الاقتصادية

إقتصادياً، تعقد الهيئات الاقتصادية الممثلة للقطاع الخاص اللبناني ‏إجتماعاً استثنائياً وطارئاً، عند الثالثة بعد ظهراليوم في مقر غرفة ‏بيروت وجبل لبنان، تبحث خلاله، بحسب بيان، في “المخاطر المزلزلة ‏المحدقة بالاقتصاد الوطني بكل مكوناته وبحياة اللبنانيين، وستحدّد ‏فيه موقفها من كل ما يحصل على أرض الواقع ومتطلبات استعادة ‏المبادرة لإنقاذ الوطن قبل فوات الأوان”. وسيلي الاجتماع مؤتمر ‏صحافي تطلق فيه الهيئات “نداء استغاثة لإنقاذ لبنان، وستقول فيه ‏كلمتها المسؤولة والنابعة من حس وطني حماية للوطن والشعب”، ‏بحسب البيان أيضاً.‏

‏ ‏كورونا

وفي ظلّ التفشّي السريع لوباء كورونا، أعلنت وزارة الصحة العامة ‏أمس تسجيل 1000 واصابتين جديدة بالوباء، ما رفع العدد التراكمي ‏للحالات المثبتة الى 61949.‏

‏ ‏وتماشياً مع القرار الجديد لوزير الداخلية محمد فهمي، يتعلق بإقفال ‏بعض القرى والبلدات بسبب ارتفاع إصابات كورونا، أصدر الرئيس ‏الأول لمحاكم الاستئناف في جبل لبنان القاضي رجا خوري، قراراً قضى ‏بالإقفال التام لمبنى قصر العدل في بعبدا بكل دوائره القضائية ‏والمحاكم، اليوم الإثنين. كذلك، ستكون قصور العدل في بعقلين ‏وجونية والدامور مقفلة في شكل تام طيلة فترة الإغلاق.‏

‏ ‏وعلى ضوء القرار أيضاً، أعلنت الثانويات والمدارس الرسمية والخاصة ‏في بلدات: بخعون والسفيرة وكفرحبو في الضنية، تأجيل افتتاح العام ‏الدراسي لمدة اسبوع.‏

Comments are closed.