ملاكي المبتسم .. محمد مصري

ملاكي المبتسم ..
أيها القمري ..
قد حلَّ أربعينك في شهر الله ..
وأنت أقربُ منا لطاعة الله ..
هل أسألُك كيف حالُك أو كيف حالُنا نحن ؟
أما زالَ ثغرُك يبتسمُ خجلاً في الصباح ؟
وتغرقُ عيناك بالحياء ؟
هل ما زِلتَ بكلِّ حماسك
تتنقل من مكانٍ إلى مكان ؟
أم أنَّ روحَك تحلّق بين النجوم تنظرُ إلينا، تراقبُنا،
وبريقُ جمالِك يحرسُنا !

ملاكي المبتسم
احترتُ كيف أصفُك
وماذا أقول يا حبيبي ..
فواحٌ أنتَ ‏كزهرِ نيسان
كرائحةِ التراب، كالزعتر البري ، كالأقحوان،
كالوردِ الجوريّ الذي يُزيّن بيادرَ المنصوري ..
كزنبقٍ أبيض في الربيع ..
كمواسم الحب والعطاء ..
‏كالشمس مشرقٌ وجهك
وحين يكتملُ القمرُ بدراً تكون أنت ..

في يوم أربعينك، سأقصُّ عليكَ شيئاً مما يَجولُ في خاطري ..
هل تعلم ؟! يا ملاكي المبتسم
حَدّثتُ قلبي منذ أربعين صباحاً وليلة أنَّك رحلت ..
كما كنتَ تتمنّى وتدعو الله ..
وسألَني الكثيرون من هو ملاك ؟ قلت ..
إنه الفتى الجميل صاحب السر !!
ولا حاجة أن أُجيب بعد ذلك، لأنّ شهادتَك شَرَحَت كثيراً منه ..
وأسرارٌ أخرى وُلِدَت معك ورحَلَت معك ..
لكنّ في قلبي سرّاً خفيّاً لن أبوحَ به،
يكفي أنك تَعرِفَه أنت ..

أربعون يوماً، ويُراودني سؤال ..
ماذا فعلتَ بنا ؟!
وأيُّ حكايةٍ خاطَتْها تفاصيلُك !!

مُحمد أيّها الملاك الحنون ..
أيقظْتَنا من غفلتِنا، وغمرتنا بحنانك ..
ثم رحلت ..
كيف لفتى العشرين ربيعاً
أن يكونَ غيثَ المطر ..
أن يكون نبتةَ الزرعِ الجميل ..
أن يكون ثمرةَ موسم الحصاد ..
كيف لك أن تهمسَ روحُك للحياة،
وتكون بيننا .. دون ضجيج،
دون مللٍ أو تعبٍ أو عناء ..
كبيرٌ أنت بالرغم من عمرِك الصغير ..
عظيمٌ أنت بما فعلت ..

كانَت لروحِك الجميلة الراحلة باكراً رسائلُ كثيرة ..
للحياة، لأسرتِك لأُمك وأباك، لحسين وملاك، وأصدقائِك ورفاق دربِك والأحباب ..

أما أنا ..
قَتَلَتْني تمتمةُ حروفِك الهادئة التي حُفرت في قلبي ..
كالسّعداء أنت أدّيتَ دورَكَ بتفوقٍ ورَحَلت ..
رحلتَ دونَ توديع ..
رحلتَ تاركاً همَّها وزرعْتَ في نفوسِنا همّ فراقك ..
بل زرعْتَ قصصاً نهاية أبطالها النصر ..
قِصّةُ نصرِك مختلفة ..
لا تُكتب في الرِّوايات ولم نقرأْها في الحكايات ..

صرت أحدث نفسي، كيف لوجهك القمري أن يرحل !!
كيف أخذْتَني إلى حيث تريد ..
دون استئذانٍ أو سؤال !
طَرَقتَ داخلي .. ومعك شُعاعُ النور والحقيقة
أجبَرْتَني أنْ أُلبِّي النداء
بكُل سرور ..
دون تردد ..
ورحلت ..

أعدُكَ سأبقى يا ملاكي الصغير وفياً لذِكرِك وذِكراك ..
حافظاً لاسمك الثابت كأرض عامل التي بذلْتَ لأجلِها الدماء ..
سأجعلُ من حياتِك إشارةً وعبارةً لكلِّ الشباب ..
لن أنسى وصيتَك تلك
وكيف همست لي ذات صباحٍ باكر ..

هل تعلم يا ملاكي المبتسم
في ليلة الشّتاء الحزينه من شباط ..
بين المطر والبرد ..
حين كَتَبْنا سوياً قِصّةً أبديّة ..
هناك حيث كنا بين الحقيقة والغيب،
بين التردد والآلم،
بين الأمل والغربة،
كان قلبي يرتعش
كان جسدي يرتجف
لا خوفاً، ولا ارْتِعاباً ..
ولكن ..!
كيف لجسدِك الطريّ أن يتلاحمَ مع شظية الغدر ..
مع جراح الأرض ..
كيف لذلك الجسد الممدد أن يحكي ..
يدُك اليمنى .. خنصرك ..
شعرك الناعم .. وبقايا تراب الأرض
وجهُك القمريّ وكل التفاصيل كانت تحكي ..
كأنِّي بأناملِك حَدَّثَتني ..
وبقلبِك آنَسَني ..
سمعتُ وشَعرت ..
سامحني لم تسمعْ منّي جواباً،
فرهبةُ الموقف كَسَرتني ..
استودعتك سبُحتي والكفن .. وهمسة ..
عانقتك بكل حب.. وأدركتُ أنَّكَ بين يَدَي الرحمةِ..
تَلقَّتْكَ أنفاسُ مولاك الحسين عليه السلام،
هناك لا خوفٌ ولا قلق،
أمانٌ أبديّ برِفقةِ السعداء
يا ملاكي المبتسم

كتب الشيخ ربيع قبيسي

*بتاريخ ٢١/٣/٢٠٢٤
ذكرى أربعين السعيد محمد ربيع مصري (ملاك)

Leave A Reply