الدولة بمأزق: الحبتور “يهدِّد” لبنان بالقضاء الدولي ويُلهِم المودعين

انعطفَ ملفّ احتجاز أموال المودعين في المصارف اللبنانية، بشكل مفاجىء، بعد نحو 4 سنوات من الرتابة واعتياد المشهد، الذي تضمَّنَ فصولاً من اقتحامات المودعين للمصارف ورفع دعاوى قضائية وصلت في أحسن أحوالها إلى الاستعانة بالمحاكم الأجنبية، من خلال رفع بعض المودعين الذين يملكون جنسيات أجنبية، دعاوى أمام تلك المحاكم، بعضها وصل إلى خواتيم سعيدة وبعضها الآخر أخفَق في ذلك.

تلك الرتابة التي فرضتها قلّة حيلة المودعين في ظل تواطؤ الدولة مع المصارف، كسرتها انعطافة مستجدّة تمثّلَت بتوجيه مجموعة الحبتور الإماراتية كتاباً للجمهورية اللبنانية، تطالبها عبره بحلِّ قضية احتجاز أكثر من 44 مليون دولار مودَعة من قِبَل المجموعة في المصارف اللبنانية. لكن الكتاب يحمل تفاصيل أبعد بكثير من تحرير تلك الوديعة.

وعليه، أيُّ مأزق قد تواجهه الدولة؟ وهل تساعد خطوة الحبتور المودعين اللبنانيين على استعادة أموالهم؟ وماذا عن باقي المستثمرين؟

لبنان بيئة غير آمنة للاستثمار

مطلع العام 2023، وبفعل السيطرة على جائحة كورونا، أعلن مالك فندق هيلتون بيروت متروبوليتان بالاس-الحبتور، رجل الأعمال الإماراتي، خلف أحمد الحبتور، إعادة افتتاح الفندق “حرصاً على دعم الاقتصاد اللبناني وتوفير فرص عمل للشباب والشابات اللبنانيين ودفع عجلة التنمية في البلاد”، وفق ما قاله الحبتور يومها، على مواقع التواصل الاجتماعي.

هذه الصورة الإيجابية لم تجد ما يقابلها على المستوى اللبناني، سيّما لناحية تأمين “بيئة آمنة وسليمة لأعمال مجموعة الحبتور واستثماراتها”. فعدم إيجاد حلّ للأزمة الاقتصادية والنقدية واستمرار احتجاز المصارف لأموال المودعين، كبَّدَ مجموعة الحبتور “خسائر وأضرار فادحة”، ما جعلها تقلق حيال استثماراتها التي قاربت قيمتها “المليار دولار. من ضمنها إيداع مجموعة الحبتور أموالاً في القطاع المصرفي في لبنان، واستثمارها في فنادق تحمل علامة “هيلتون” التجارية، ومركز تجاري، ومرفق ترفيهي بإسم “حبتور لاند”، واستثمارات عقارات عديدة أخرى”.

تلك الأموال والاستثمارات أصبحت بنظر المجموعة غير محمية، ما يشكّل خرقاً لالتزامات لبنان بالاتفاقية المبرمة بينه وبين دولة الإمارات، والتي دخلت حيّز التنفيذ في العام 1999، وبموجبها “تعهّد لبنان أن يحمي الاستثمارات الإماراتية على أراضيه. إلا أنه خرق التزاماته بموجب الاتّفاقيّة إزاء مجموعة الحبتور، وحصل ذلك بوجه خاص عندما فرض قيوداً منعت مجموعة الحبتور من تحويل أموالها البالغة أكثر من 44 مليون دولار أميركي بحرّية من المصارف اللبنانيّة”، وفق ما جاء في الكتاب الصادر يوم الأربعاء 10 كانون الثاني.

امتياز استثماري بموجب اتفاقية ثنائية

عدم قدرة مجموعة الحبتور على التصرّف بقيمة ودائعها في المصارف اللبنانية، غدا باباً للتساؤل حول مصير استثماراتها التي تفوق قيمتها حجم الدوائع المصرفية. ومن هنا، جاءت الإشارة إلى قيمة الاستثمارات التي تتخطّى الإيداع المصرفي النقدي. وحسب ما تقوله مصادر متابعة للملف في حديث لـ”المدن”، فإن مجموعة الحبتور ذهبت بعيداً في قلقها على استثماراتها. ولحمايتها، استندت المجموعة إلى الاتفاقية الثنائية بين لبنان والإمارات، وهي التي ستشكِّل المنطلق القانوني الذي ستقدّمه أمام القضاء الدولي في حال “لم يتم حلّ النزاع ضمن فترة ستة أشهر تكون بمثابة مرحلة تفاوض”، تنتظر خلالها المجموعة ردّ الدولة اللبنانية وإجراءاتها. علماً أن المجموعة “باشرت اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحصيل حقوقها على الصعيدين المحليّ والدوليّ”، ويتمثّل ذلك من خلال تكليف شركة المحاماة العالمية “وايت أند كايس” White & Case LLP بتولّي القضية.

المجموعة خلال الأشهر الستة “تكون في حالة ربط نزاع مع الدولة اللبنانية التي لا يمكنها تجاهل الأمر ومعاملة المجموعة بالاستهتار الذي تعامل به المودعين الآخرين، لأن المجموعة ليست مودعاً عادياً، بل هي عبارة عن مستثمِر ترعى مصالحه اتفاقية ثنائية تضمن في المقابل مصالح المستثمرين اللبنانيين في الإمارات”. ولا تنتظر المجموعة الإفراج عن الودائع المصرفية فقط، بل “تريد حلاً يحفظ استثماراتها من أي قرارات لاحقة قد تضرّ بتلك الاستثمارات. وبالتالي تخاف المجموعة من تأثيرات الكابيتال كونترول واحتمالات تقييد حركة الاستثمارات المختلفة، أو وضع اليد على بعض الأصول.. وما إلى ذلك من احتمالات”. ولهذا، تعطي الاتفاقية نوعاً من “الحَصانة” الاستثمارية للمجموعة وتقوّي موقفها ضد الدولة.

ولأن للقضية بُعداً استثمارياً، قد تطلب المجموعة من الدولة تعويضات على ما لحق باستثماراتها من خسائر بفعل الأزمة وبفعل التقاعس عن حلّها. وفي حال العكس، سيواجه لبنان غرفة التحكيم الدولية. ومع المزيد من التمادي المحتّمَل، لا تستبعد المصادر “لجوء مستثمرين آخرين إلى التحصُّن باتفاقيات مماثلة، كلٌّ بحسب نوع ومضمون الاتفاقية الثنائية بين لبنان والدول الأخرى. وبالتالي، يواجه لبنان حملة دعاوى قضائية دولية كبيرة قد لا يستطيع تحمُّل تبعاتها”.

المجموعة لا تزاحم المودعين

يتساءل المودعون اللبنانيون عمّا يمكن أن تشكّله دعوى الحبتور من دفعٍ لقضيّتهم، خصوصاً وأنها تأخذ بُعداً دولياً. إلاّ أن تأثير الدعوى قد لا يتعدّى الجانب المعنوي الذي يُعيد تحفيز المودعين لرفع الدعاوى ضد المصارف والضغط على القضاء للبتّ بالدعاوى. لكن في المضمون، القضيّتان مختلفتان.

تشكِّل الاتفاقية اللبنانية الإماراتية امتيازاً لمجموعة الحبتور يدعمها في حماية مصالحها، لكنها في الوقت عينه “لا تضعها في موقع مزاحمة لقضية المودعين اللبنانيين. أي أن التقاضي الدولي لا يعني بأن مجموعة الحبتور ستأخذ قيمة ودائعها من درب باقي المودعين. وأبعد من ذلك، إن القضية ليست موجّهة ضد المصارف ولا تطالبها بالإفراج الفوري عن الودائع، بل موجّهة ضد الدولة وكأنها تريد منها تحمّل مسؤوليتها وحماية الاستثمارات من أي طارىء. وكما للحبتور امتياز على المودع اللبناني، للمستثمر اللبناني امتياز في الطرف الآخر من الحدود، في أي دولة تتعاقد مع لبنان بموجب اتفاقية ثنائية، ربما تتضمّن اختلافات في بنودها، لكن يبقى لديها التأثير القانوني المشترك بين الاتفاقيات”.

نموذج جديد من الدعاوى بانتظار الدولة، والقرار مرهون بكيفية تعاطيها مع الملف. فإما أن تبادر للاتفاق على آلية للحل مع الحبتور، فيهدأ الملف، وإما أن ينفجر فتصبح الدولة أمام قرار دولي يحمي استثمارات الحبتور ومن يشبه المجموعة من مستثمرين آخرين ربّما يحضّرون ملفات جديدة خلف الكواليس.

المدن

Follow Us: 

Leave A Reply