بات واضحاً أن رئيس مجلس النواب نبيه بري قرّر أن يجنّب البلاد الأزمة التي يمكن أن تنشأ نتيجة الخلاف الحاد حول تمديد فترة العماد جوزيف عون على رأس المؤسسة العسكرية، وذلك بإدراج اقتراح القانون الذي ينص على تمديد سن خدمة الضباط العامين من رتبة لواء وعماد لفترة سنة ليستفيد منها قائد الجيش الى جانب المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان والمدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا والمدير العام للأمن العام بالانابة اللواء الياس البيسري واللواء في المجلس العسكري بيار صعب والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد المصطفى.
فبعد أن فشلت حكومة تصريف الأعمال في معالجة مسألة تمديد خدمة العماد عون وذلك لأسباب سياسية واضحة تتعلق بمعارضة رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل والممثل في الحكومة بوزير الدفاع العميد المتقاعد موريس سليم، والذي استناداً إلى قانون الدفاع يجب أن تمر جميع الاقتراحات المتعلقة بالتعيين أو حتى تمديد خدمة قائد الجيش من خلاله، لم يعد هناك أي فرصة للمعالجة إلا من خلال مجلس النواب الذي لديه عدة اقتراحات قوانين في هذا الشأن.
ومن الاقتراحات الموجودة في أدراج المجلس النيابي الاقتراح الذي قدمته كتلة “القوات اللبنانية” لتمديد خدمة العماد عون واقتراح القانون الذي قدمته كتلة “اللقاء الديموقراطي” برئاسة النائب تيمور جنبلاط لتأجيل تسريح وتمديد سن التقاعد لمديرين عامين وضباط عاملين في الجيش والقوى الأمنية، والاقتراح الذي قدمته كتلة “الاعتدال الوطني” ويرمي الى التمديد لقادة الأجهزة الأمنية مدة سنة.
ولم يعد سراً أن اللقاءات التي يعقدها نواب كتلة “القوات اللبنانية” مع الرئيس بري تهدف إلى انتزاع الأخير اعترافاً من “القوات” بحق المجلس في التشريع، وبذلك يكون قد أضفى الشرعية الكاملة على كل الجلسات التي انعقدت وتم خلالها إقرار جملة من القوانين لم تشارك “القوات” فيها، وهو الثمن الذي يطلبه لقاء إدراج اقتراح القانون القاضي بتمديد خدمة العماد عون، علماً أن الرئيس بري ليس بعيداً عن فكرة التمديد لعون في هذه الفترة الحرجة التي يمر بها الوضع الأمني في الجنوب تحديداً وعدم رغبته في إحداث اهتزاز في القيادة العسكرية.
واستناداً الى معلومات من مصادر مقربة جداً من عين التينة، فإن اقتراح تمديد خدمة الضباط العامين من رتبتي لواء وعماد سيسلك طريقه إلى هيئة مكتب المجلس المتوقع أن يدعو بري إلى جلسة لها في القرب العاجل، على أن يحال مع عدد من القوانين الأخرى على الهيئة العامة.
وتضيف المصادر أن نواب كتلة “القوات اللبنانية” سيشاركون في هذه الجلسة التشريعية بعدما طلبوا من بري أن لا تكون بنودها “فضفاضة” أي أن تقتصر على عدد من القوانين التي تساعد على تمرير المرحلة الحالية من الأزمة التي تعيشها البلاد.
وإذا سارت الأمور على الطريق الذي يرسم لها، فإن الرئيس بري يكون قد تلقّف نيابة عن الحكومة كرة النار المتمثلة في تمديد فترة خدمة العماد عون، ويلبي أيضاً رغبة البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي لا ينفك عن إعلاء الصوت بشأن عدم إدخال المؤسسة العسكرية في فراغ قد “يخربط” الهيكلية القيادية في الجيش، ويلبي طلبات “المبعوثين” الذين أعلنوا بصراحة تامة رغبتهم في التمديد لخدمة العماد عون، خصوصاً أن آخرهم الموفد الخاص للرئيس الفرنسي جان إيف لودريان قال خلال زيارته الرابعة إلى لبنان انه يمثل اللجنة الخماسية التي ترغب في التمديد لعون.
والرئيس بري الذي اعتادت الحياة السياسية اللبنانية براعته في إخراج “الأرانب” لحل المعضلات التي تعترض طريق الحكومات أو تمهيد الحلول للأزمات السياسية المتكررة، سيكون رابحاً في هذا الاخراج الذي يرسمه لكن الخاسر الأكبر سيكون من دون أدنى شك رئيس “التيار الوطني الحر” الذي يبذل كل طاقته لمنع رؤية عون في قيادة الجيش لفترة إضافية، ناهيك عن استماتته لقطع الطريق عليه في الوصول إلى قصر بعبدا إذ ان اسمه لا يزال من الأسماء المتقدمة في الترشيحات إلى رئاسة الجمهورية.
كما أن اقتراح القانون الذي سيستفيد منه أيضاً اللواء عماد عثمان، يشكّل “ارتياحاً” للقوى السياسية السنية التي تتمسك به، ويكون بري قد قدّم لهذه القوى “معروفاً” يسترده حين تحين الساعة.
لا شك في أن الرئيس بري يمثل في هذه المرحلة صمام الأمان الضروري للبلد على الأقل من ناحية انتظام الحياة الدستورية فيه، وإذا كان البعض يعيب عليه عدم دعوته الى جلسات انتخاب متتالية لرئيس الجمهورية، إلا أن بري يردّ عنه هذه التهمة بإعلان استعداده لدعوة الهيئة العامة لمجلس النواب الى انتخاب رئيس عتيد للجمهورية متى كانت “الظروف مناسبة” ولا تشكل عملية انتخاب رئيس، أي رئيس”تحدياً” لفريق سياسي ويولد مأزقاً إضافياً لن يكون بمقدور البلاد تحمّله.