لم يكن المشرعون الذين وضعوا الدستور والقوانين في لبنان يتوقعون في عملية التعاطي مع حكومة تصريف الأعمال إطالة فترة الشغور الرئاسي الى هذه الحدود. ولا يهدف هذا النوع من السياسات بين الأفرقاء إلا لإجبار المواطنين على التسليم بإراداتهم وعدم المحاسبة. ويبقى الخطير هو استعمال أكثر من جهة موضوع جلسات الحكومة في حسابات كل طرف واللعب عليها في مسألة الشغور المفتوح في رئاسة الجمهورية. ولم يلتئم عنقود نصاب الحكومة في آخر جلسة لها في الأسبوع الفائت التي كان على جدولها تعيين حاكم لمصرف لبنان حيث كانت رياح الاتصالات لا تشير الى تحقيق هذا الأمر. ولم يأت رفض السير بالتعيين من الوزراء العونيين ووزيري “حزب الله” فحسب بل جاء الاعتراض أيضاً من الوزيرين المحسوبين على “تيار المرده” زياد مكاري وجوني القرم من أجل أن لا يمنحا أي مادة جديدة لرئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ليخرج بها أمام المسيحيين أولاً ليقول إنه المؤتمن الأول على الموقع الأول في الدولة وهو يتصدّى لأي تجاوز لرئاسة الجمهورية. ولم تكن خطوة “المرده” هذه محلّ ترحيب عند الرئيس نبيه بري.
وقبل الدخول في جلسة اليوم لا يزال ملف نواب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في صدارة الواجهة السياسية والنقدية، بعدما حسم النائب الأول وسيم منصوري عدم استقالته مع استعداده التام لتحمّل المسؤولية على رأس البنك المركزي وهي لن تكون “نزهة مالية” وسط حقل من الألغام حيث تنتظره مهمات شاقة إن لم يلق العناية المطلوبة من الحكومة والكتل النيابية شرط أن لا تستثمر الأخيرة لعبة النقد في حساباتها الرئاسية، ولا سيما بعد تطوّر العلاقات بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” مع استمرار تعويل الأول على محاولة إقناع باسيل بالقبول بالمرشح سليمان فرنجية إذا تثبّت للعونيين تحقيق جملة من المشاريع ومنها تحقيق اللامركزية المالية وحجزهم الصندوق السيادي للنفط والغاز!
ويتم إظهار الأمر أن فريقي الحزب والتيار كأنهما يعيشان وحدهما على مساحة البرلمان.
وكان نواب الحاكم الأربعة قد تلقوا تجاوباً حيال الخطة التي قدّموها للرئيس نجيب ميقاتي. وتلقوا جملة من الإشارات الإيجابية من عدد لا بأس به من النواب. وستكون معالم كل الخطة التي أعدّها نواب الحاكم الأربعة في أساس المؤتمر الصحافي لمنصوري في اليوم الأخير من ولاية سلامة. ولم يشأ في مجالسه التعليق على الدعوات التي طالبته بالاستقالة ومنها ما جاء على لسان نائب رئيس المجلس الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب. ولم يلق كلام الأخير ترحيباً في صفوف بيئة مكوّنه على أساس أن صاحب أي منصب إذا أخطأ في ممارساته لا يجب تحميل تبعاته لمجموع أبناء طائفته.
وفي طيّات ملف حاكمية البنك المركزي كان ميقاتي يعرف سلفاً أن لا قدرة عند الحكومة على تعيين حاكم وهو يعمل مع الوزراء بـ”اللحم الحيّ”، ويستمر في تصريف الأعمال ولن يتوجّه الى خيار الاعتكاف رغم عدم مشاركة الوزراء المحسوبين على باسيل في جلسات الحكومة باستثناء وزير السياحة وليد نصار الذي رفض في الوقت نفسه الإقدام على أي تعيين أو تمديد لسلامة أو غيره حيث يعتمد منذ البداية هذا التمايز.
وسيكون في صلب جلسة اليوم في السرايا متابعة النقاش في موازنة 2023 مع توقع أن لا تصل الى خواتيمها قبل آخر آب المقبل. وسيشارك نصار في هذه الجلسة ولن يتغيب عنها بحسب قوله لـ”النهار”. ويسقط على الموازنة تعبير “السيّئة وغير الإصلاحية”. وسيقدم اقتراحاته واعتراضاته في آن واحد.
ومن جهته يصف وزير البيئة ناصر ياسين هذه الموازنة بـ”التشغيلية”. ويقول لـ”النهار” إنها تركز على تأمين الرواتب والنفقات المطلوبة. ولم يرَ احتواءها خطة أو برنامج عمل يمكن البناء عليه برغم النيّات الجيدة والمساعي المبذولة من رئيس الحكومة والوزراء المعنيين. والتأخير الحاصل في إتمامها يعود الى جملة من المناخات السياسية والخلافات المفتوحة في البلد. ويرى ياسين أن الموازنة المنتظرة تنتظر جملة من الرسوم والضرائب وستخلف أعباءً على المواطنين وهي تختلف في عملية احتساب سعر الدولار عن الموازنة السابقة. ويعترف بأن الأجواء غير مؤاتية لإنتاج موازنة طبيعية وسط أجواء ومحطات غير طبيعية في البلد حيث لا تصدر التشريعات والمراسيم المطلوبة في ظل استعمال أدوات عمل متواضعة لمواجهة الأزمات المفتوحة بطريقة غير مجدية. ويأمل ضم مشروع قانون الى موازنة 2023 يهدف الى تأمين رسوم للإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة المنزلية ونقلها بطريقة فعالة. وثمة جدول تم إعداده حيال الضريبة البيئية على بعض المنتجات.
ويلخص ياسين حال الحكومة بأنها تعمل على آلة “التنفس الاصطناعي” الى حين إتمام معمودية انتخاب رئيس الجمهورية.
رضوان عقيل – النهار
Follow Us: