بيروت بلا مياه لليوم السابع.. وحياة سكانها “جحيم”

أسبوع مرّ على العاصمة اللبنانية بيروت من دون مياه، تحوّلت خلاله حياة السكان إلى جحيم وسط هدير الصهاريج الذي زاد الطلب عليها بشكل كبير، مما أضاف عبئا مادياً جديداً على دخل العائلات الذي بالكاد كان يكفيهم لتأمين حاجياتهم الأساسية.

ليست المرة الأولى التي يعاني فيها أهالي بيروت من هذه الحالة، فانقطاع المياه عن منازلهم أمر يتكرر بين الحين والآخر لأسباب متنوعة، مثل أعطال تطرأ على محطات الضخ إلى انقطاع الكهرباء وعدم توفّر الوقود وغيرها.

هذه المرة أرجعت مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان سبب المأساة إلى عطل طرأ من مصدر التغذية الرئيسية في مؤسسة كهرباء لبنان، أدى إلى توقف محطة المياه الرئيسية في الضبية عن العمل، ما حال دون تأمين المياه إلى كافة المحطات المتصلة لضخها إلى الخزانات الرئيسية.

وأوضحت المؤسسة، في بيان قبل أيام، أنّ “محطة الضبية تتغذى بخط مباشر من مؤسسة الكهرباء، ولا يمكن تشغيلها على المولدات بسبب حاجتها إلى التغذية بخط توتر متوسط”، وإذ أبدت المؤسسة أسفها لهذا العطل الخارج عن إرادتها، أملت من فرق الطوارئ التابعة لمؤسسة الكهرباء إنجاز التصليح في أسرع وقت ممكن.

والثلاثاء، كشف رئيس مجلس الإدارة المدير العام لمؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، جان جبران، أن “الأسبوع الماضي حصل حريق في معمل الكهرباء في الذوق وهو الذي يمدنا بالكهرباء لضخ المياه لبيروت وجبل لبنان، لذلك لم نعد نستطيع الضخ لأن ليس لدينا مولدات في محطة الضبية”.

جبران أكد في حديث إذاعي أنه “في الأمس بدأنا عملية ضخ بعض كميات المياه على أمل إصلاح العطل في الأيام المقبلة”، داعياً المواطنين إلى ترشيد استخدام المياه، مشيراً إلى أن “المحطات الأساسية لا يمكن تشغيلها عبر الطاقة الشمسية على غرار محطة الضبية، والعطل الذي طرأ ليس من مسؤولية مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان”.

لن تصل المياه بسهولة إلى المنازل، كما أكد جبران، إذ “يجب تشغيل المضخات لمدة 12 ساعة لتصل إلى الجميع، وفي حال لم تنقطع الكهرباء طيلة النهار فيمكن تحقيق هذا الأمر مساء اليوم”.

تقنين “النظافة”

انقطاع المياه معاناة قديمة متجددة يدفع ثمنها سكان العاصمة نفسياً ومادياً في كل مرة، حيث يجبر الأهالي، كما تقول ميادة، إحدى الساكنات، على التقنين حتى بنظافتهم الشخصية، وتشرح “رغم ارتفاع درجات الحرارة إلا أنه لا يمكنني الاستحمام سوى لمرة واحدة كل ثلاثة أيام، وفوق هذا بالكاد أفتح الصنوبر وأضع أسفل الدوش إناء كبيرا كي لا تذهب المياه هدراً، حيث أعيد استخدامها في شطف الأرض، وقد وصل بي الحال إلى استخدام مياه المكيّف التي أجمعها في دلو لغسل شعري خوفاً عليه من ملوحة المياه التي اشتريها”.

يبلغ سعر صهريج المياه، سعة خمسة براميل، 400 ألف ليرة في منطقة الطريق الجديدة، يرتفع أو ينخفض بحسب نوعية المياه فيما إن كانت عذبة أم مالحة، تقول ميادة، مشددة في حديث لموقع “الحرة” على أنه “مهما حاولت عائلة مؤلفة من أربعة أفراد تقنين استخدامها للمياه فهي مجبرة على معاودة تعبئة خزانها مرة كل يومين، مما زاد من ضغط الدفوعات التي لم تكن في الحسبان، ورفع من منسوب التوتر بين أفراد العائلة، إذ يتهم كل شخص الآخر بأنه المسؤول الأول عن نفاد المياه”.

مأكولات عدة توقفت والدة ميادة عن إعدادها نتيجة انقطاع المياه، منها التبولة التي يشتهر بها اللبنانيون، وذلك كون البقدونس وهو مكونها الأساسي يحتاج إلى كمية كبيرة من المياه لغسله، كذلك حال السبانخ والملوخية وغيرها. وتقول “أصبحت تعد لنا طبخات غير دسمة كي لا نحتاج إلى تنظيف الصحون بالكثير من المياه، فهل من يصدق أننا وصلنا إلى هذه الدرجة من القهر”.

حتى المياه التي تستخدمها هدى لتنظيف الصحون أصبحت تخشى من أن تذهب هدراً، وتقول “أضعها في إناء لكي أنظف بها الأرض، كذلك الحال حين استحم أنا أو أولادي الأربعة، ومع هذا يومياً يفرغ الخزان”.

وتضيف: “لأنه ليس في مقدوري تحمل كل هذا العبء المادي، أطلب من جيراني في المبنى المقابل أن يضخوا لي الماء من بئرهم مقابل مئة ألف ليرة، وكذلك يفعل العدد الأكبر من سكان المبنى الذي أقطنه، لاسيما وأنّ أصحاب الصهاريج لا يلبوننا بالسرعة المطلوبة بسبب الطلب الكبير عليهم”.

تعبّر هدى عن غضبها من الوضع الذي يزداد سوءاً في لبنان كل يوم، مشيرة في حديث لموقع “الحرة”، “ستنهش الأمراض أولادنا من قلّة النظافة، فبدلاً من إلزامهم بغسل أيديهم حين تتسخ أصبحنا نصرخ عليهم إذا ما اقتربوا من الصنبور، وفوق هذا لا يفارقني وجع الرأس نتيجة هدير مولدات الصهاريج التي لا تتوقف طوال اليوم، لا أعلم ما الذي ينتظرنا أكثر، الأزمات تطرق بابنا من كل حدب وصوب، ندفع فواتير للسلطة الحاكمة مقابل خدمات لا نحصل عليها، إذ حتى قبل العطل الأخير الذي أوقف ضخ المياه إلى منازلنا كنا نعاني من شحّها”.

والثلاثاء، أشار عضو تكتّل “الجمهورية القوية” النائب غسان حاصباني، إلى أن “الضخّ بدأ في محطّة مياه الذوق ليل أمس، لتعود المياه اليوم إلى بيروت وبعض مناطق المتن، بعد المتابعة مع مؤسسة كهرباء لبنان لإعادة التيار الكهربائي إلى المحطّة”.

تحدٍّ مستمر

قبل العطل الأخير الذي طرأ، كان محمد يضطر للجوء إلى أصحاب الصهاريج لتعبئة خزان منزله مرتين في الأسبوع، ويقول “في العادة نعاني ضعف ضغط المياه وعدم امتلاء الخزان، لذلك وضعت ميزانية محددة من راتبي لتعبئته، فأنا والد لطفلة لا أريد أن تعاني من أي مرض نتيجة قلّة النظافة، أفضل أن أدفع المال لأصحاب الصهاريج الذين أصبحوا يتحكمون بنا على إصابتها بفيروس أو بكتيريا وتعريض حياتها للخطر لاسيما في ظل عدم قدرتي على تحمّل أي فاتورة استشفائية”.

ويؤكد محمد في حديث لموقع “الحرة” عدم تفاؤله بتحسّن الوضع “في ظل هذه الطبقة الحاكمة”، معتقدا أنه “سيتكرر مشهد انقطاع المياه، فلا شيء يشي بالخير، فرغم كل التحذيرات التي تطلقها منظمات دولية بشأن خطورة عدم إيلاء أهمية للمياه ونظافتها، تابعنا قبل فترة كيف انتشرت الكوليرا في لبنان”.

وفي مارس الماضي دعا سفير الإتحاد الأوروبي في لبنان رالف طراف، بمناسبة اليوم العالمي للمياه، كل جهة فاعلة إلى “اعتبار خدمات المياه والصرف الصحي العامة أولوية وطنية عاجلة”، وأضاف “إنّ الخروج من الأزمة التي تضرب هذا القطاع وتحقيق حل مستدام مع توفير خدمات مياه موثوقة للمواطنين، هو مسؤولية جماعية، فلكلٍّ من الحكومة، ومؤسسات المياه، كما المواطنين، أدواراً ومسؤوليات لتحقيق ذلك”.

وكان الإتحاد الأوروبي، ذكر أن مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، افتتحت في اليوم العالمي للمياه، افتتحت بالشراكة معه ومع اليونيسف، محطة تلة الخياط التي أعيد تأهيلها حديثاً، وهي واحدة من أقدم محطات ضخّ المياه في بيروت، وأوضح في بيان أن “هذا المشروع جاء تطويره لتوفير خدمات مياه أفضل وأكثر استدامة إلى ما يزيد عن نصف مليون شخص في بيروت من خلال نظام يعتمد على الضخّ والجاذبية”.

وأضاف الاتحاد الأوروبي، إنه “وسط كمّ من الأزمات التي تسيطر على البلاد، وتؤثر جذرياً على البنية التحتية للمياه، لا يزال الوصول إلى المياه أحد أكبر التحديات القائمة، مما يعرّض صحّة وسلامة ملايين الأشخاص في لبنان، خصوصاً الأطفال منهم، للخطر”.

أسرار شبارو – الحرة

Leave A Reply