نظرية (طبخة بحص)

د. طلال حاطوم – الجمهورية

من خبايا الذاكرة، يروى انّ امرأة فقيرة نال الجوع منها ومن أطفالها، فما كان منها إلّا أن ربطت الأحزمة على بطنها وبطون أطفالها، ولكن الأطفال لم يكّفوا عن البكاء والتعلق بثوبها وهم يردّدون: «نحن جائعون يا أمي»، وقد دخل الليل عليهم وهي تعلم أنّ أطفالها لن يكّفوا عن طلب الطعام، فخطرت لها فكرة زرع الصبر في أطفالها، وراهنت على سلطان النوم، فأوقدت النار ووضعت القدر عليها، وأضافت بعض البحص الذي غمرته بالماء، وأخبرت أطفالها الذين تجمّعوا حولها انّها تعدّ لهم العشاء، وراح البخار يتصاعد من القدر والأطفال الصغار ينتظرون أن ينضج البحص ليأكلوا ويشبعوا، وظلّت تحرّك القدر وتعدهم بأنّه اقترب من النضج، إلى أن غلبهم النوم وغلبتها دمعتها. أنقذت الأم أولادها لليلة إضافية، وردّدت بينها وبين نفسها: «من مرّر اليوم لن يعجز عن الغد».

هذه القصة أصبحت مثلاً لكل من يوهم الآخرين بأمر سيحدث، ولكنه يتطلب مزيداً من الوقت، بينما هو في حقيقة الأمر كالبحص في القِدر لن يصبح طعاماً ولن يغني من جوع.

لم يكن الظن يوماً أستخراج نظرية سياسية لآليات الحكم من هذه القصة، يمارسها بعض السياسيين في سياساتهم الترقيعية سواء الداخلية أو الخارجية، هذه النظرية هي: (طبخة بحص)، تهدف إلى (تنويم) المواطن ربما، في ظنهم، ينسى همومه ومشكلاته إلى يوم آخر.

فوعود كبار القوم واجتماعاتهم ومقررات معالجة جنون الدولار وزلزاله الاقتصادي: طبخة بحص.

واحتمالات الدعم الخارجي: طبخة بحص.

والتوافق على رئيس للجمهورية: طبخة بحص.

ومعالجة احتكار الدواء: طبخة بحص.

إلى أسعار المحروقات والمواد الغذائية والطحين والمدارس والجامعات واضرابات القطاع العام والمصارف والمستشفيات و…. معالجاتها كلها: طبخة بحص.

اما استسهال فرض الضرائب والرسوم والزيادات على أسعار كهرباء غائبة وتحديد مواعيد بدء الجباية على أساس جداول جديدة أُعدّت على عجل وبسرعة البرق، ومياه مقطوعة في بلد المياه، وبضائع غير مراقبة لجهة الصلاحية او الجودة او المعايير، وتجار فُجّار لا يرحمون وفقدوا أي إحساس بالإنسانية او المواطنية، وإرضاءً لهم تُسعّر المواد الغذائية والاستهلاكية بالدولار (في بلد يتخلّى عن حماية عملته الوطنية طوعاً)، في سابقة لم تُرصد لها نظرية اقتصادية ولم تشهدها حتى الدول المفلسة والمنهارة، ودواء لا يُسلّم إلى صيدليات تبيعه بأضعاف اسعاره المفترضة، كلها ليست طبخة بحص، بل تكون غالباً على نار حامية تحرق المواطن دونما استفادة من مداخيلها ومردوداتها، في مغارات الهدر وسوء التدبير، وغياب الخطط المدروسة التي لا تهدف إلى شعبوية او استغلال لظرف آني، بل إلى معالجة جدّية يضعها رجال دولة يؤمنون بالوطن اولاً.

بس هيك.

Leave A Reply