قلق في الأوساط المسيحية بالقدس بعد تصاعد اعتداءات المستوطنين على الكنائس

تشهد الكنائس في القدس إلى جانب الاعتداء المستمر على المسجد الأقصى تصاعداً في وتيرة اعتداءات مستوطنين متطرفين عليها، ويقول مسؤولون حاليون وسابقون بالكنائس، إن حوادث الاعتداءات المتكررة انتهت في معظم الأحيان دون معاقبة الفاعلين.

باتت كنائس القدس الشرقية في قلق دائم من تزايد اعتداءات متطرفين إسرائيليين على ممتلكات مسيحية في المدينة.

ويقول مسؤولون حاليون وسابقون بالكنائس للأناضول، إن حوادث الاعتداءات المتكررة على ممتلكات المسيحيين انتهت في معظم الأحيان دون معاقبة الفاعلين.

والأحد الماضي أقدم متطرفون إسرائيليون على تحطيم شواهد 30 قبراً في مقبرة تابعة للكنيسة الأسقفية الإنجيلية بالقدس الشرقية.

ووثّقَت كاميرات للكنيسة في المقبرة شخصين يرتديان القلنسوة اليهودية على الرأس فيما يرتكبان الاعتداء الذي يُعَدّ الثاني من نوعه منذ 9 سنوات.

وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية في تغريدة على تويتر الأربعاء إنها “تُدين عملية التخريب التي تعرضت لها مقبرة جبل صهيون البروتستانتية في القدس”.

وأوضحت أن “هذا الفعل الفاحش إهانة للدين ويجب محاكمة مرتكبيه”.

تاريخ من الاعتداءات

وقبل أسبوع من حادثة تخريب المقبرة قالت بطريركية الروم الأرثوذكس المقدسية إن “مجموعة صهيونية متطرفة” اقتحمت أرضاً لها مساحتها 5 دونمات في وادي حلوة بسلوان جنوب البلدة القديمة في القدس.

وفي تصريح مكتوب استهجنت البطريركية الاقتحام وذكرت أنه “تم بلا أي وجه حق أو قرار قضائي”، كما أنه “حدث بحماية قوات شرطة وحرس حدود إسرائيلي”.

واعتبرت أن الحادثة تُعتبر “تعدِّياً واضحاً” على أملاك البطريركية وردّ فعل من المجموعات الصهيونية المتطرفة على إجراءاتها المناهضة لممارساتهم “التوسعية على حساب الكنائس”.

البطريركية كانت تشير بذلك إلى إقدام جمعية استيطانية قبل عامين على بدء خطوات لوضع اليد على فندقَي “إمبريال” و”البتراء الصغير” في ساحة عمر بن الخطاب في مدخل باب الخليل، وهو أحد أبواب بلدة القدس القديمة.

في ذلك الوقت تخللت هذه الاعتداءات أخرى مماثلة على ممتلكات كنسية منها كنيسة الجثمانية المطلة على البلدة القديمة.

إدانة بانتظار العقاب

وحول الاعتداءات الجديدة قال منيب يونان المطران السابق للكنيسة الإنجيلية اللوثرية في الأراضي المقدسة، إن “التعدي على مقبرة تتحدث عن تاريخ اللوثريين منذ القرن التاسع عشر هو أمر يدلّ على حقد المعتدين”.

وخلال حديثه مع الأناضول، أفاد يونان بأن الاعتداء على المقبرة “غير مقبول وينبغي ليس فقط استنكاره بل يجب أيضاً معاقبة الفاعلين حتى لا تتكرر هذه الأمور”.

وأكد أن المعتدين “يهدفون إلى الاستيلاء على باب الخليل من خلال وضع اليد على فندقي إمبريال والبتراء، بما يؤدّي إلى السيطرة على الحج المسيحي المحلي والدولي إلى كنيسة القيامة بالبلدة القديمة، لهذا كنائسنا مستاءة جدّاً من هذا الوضع”.

وأضاف المطران: “من الجيد استنكار الحادثة، ولكن من المهمّ معاقبة من يرتكب هذا العمل، وهو ما لا نلاحظه”.

تضييق متعمد

ولم تقتصر الاعتداءات الأخيرة على ممتلكات الكنيسة اللوثرية، بل شملت ممتلكات باقي الطوائف المسيحية بما فيها تلك المملوكة لكنيسة الروم الأرثوذكس.

وقال الناطق باسم بطريركية الروم الأرثوذكس الأب عيسى مصلح إن “المتطرفين يعتدون على الكنائس والأديرة كما يعتدون على المسجد الأقصى المبارك، فقد اعتدوا على مقبرة الكنيسة اللوثرية قبل أيام”.

واعتبر الأب مصلح في حديث مع الأناضول، أن “الوجود المسيحي في القدس مستهدف، وما يتعرض له إخواننا المسلمون نتعرض له أيضاً، فقضيتنا واحدة”.

وعزا الانخفاض المتزايد في أعداد المسيحيين في الأراضي المقدسة في جزء منه إلى شعور المسيحيين بأنهم مستهدفون من المتطرفين.

ودعا الأب مصلح المسيحيين للعودة إلى ديارهم وممتلكاتهم وأراضيهم لمواجهة “استهداف المستوطنين”، مشيراً إلى أنه “رغم انخفاض أعداد المسيحيين فإنهم يضيّقون علينا لتهجيرنا، ولكننا سنبقى حتى إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس”.

وذكر مصلح: “نحن نريد العدل والإنصاف وأن نعيش بسلام، ووجود حكومة يمينية متشددة في إسرائيل لا يخيفنا نحن فقط، بل العالم أجمع”.

ضد مجهول

وعلى مدى سنوات تابع وديع أبو نصار المتحدث باسم مجلس رؤساء الكنائس الكاثوليكية في الأراضي المقدسة، كثيراً من الاعتداءات مع السلطات الإسرائيلية.

وقال المتحدث السابق باسم مجلس رؤساء الكنائس للأناضول: “لا نتكلم عن اعتداء هنا وهناك، بل عن عشرات الاعتداءات خلال الأعوام القليلة الماضية، وأغلبيتها سُجّلَت ضدّ مجهول”.

“لا يمكن قبول هذا الأمر، وهو مزعج”، يضيف أبو نصار: “فهناك أجهزة أمنية وقدرات متقدمة يجب أن تُستخدم لوقف جرائم الكراهية المتكررة وتقديم الجناة للعدالة”.

وحذّر أبو نصار من تطور الاعتداءات في المستقبل وتجاوزها المقابر، قائلاً إن “استمرار الاعتداءات سيجعل فاعليها يعتقدون أن بإمكانهم فعل ما يحلو لهم وبالتالي لن يقتصروا على قبور الأموات بل ستشمل اعتداءاتهم الأحياء أيضاً”.

ولفت إلى أنهم انتبهوا منذ سنوات لوجود “مشكلة تربوية بالتنشئة على كره الآخر”، وأن هذا الأمر بحاجة إلى “علاج جذري، ليس فقط القبض على مجرم هنا وهناك”، مشيراً إلى ضرورة “البحث عن الذين يربّون هؤلاء المعتدين على الكراهية، والتعامل معهم”.

تكرار مزعج

وفي حديثه مع الأناضول، روى أبو نصار عن نماذج من تعامل السلطات الإسرائيلية مع هذه الاعتداءات، قائلاً: “في قضية الاعتداء على كنيسة الجثمانية بالقدس قُبض المعتدي، لكن قيل لاحقاً إنه غير سويّ عقلياً”.

وأوضح أبو نصار: “نشاهد سيناريوهات غريبة، فمثلاً يطلبون منا تثبيت كاميرات، وإذا وُثّق الاعتداء بالكاميرات يقولون الوجوه غير واضحة، وعندما يلقون القبض على معتدين يقولون عنهم مجانين”.

“صحيح أننا نسمع بين فينة وأخرى عن استنكارات هنا وهناك”، ويستدرك أبو نصار: “ولكننا نرى في ذات الوقت تكراراً مزعجاً لأنه لا تعامل جدي مع الموضوع”.

ولفت إلى أن الأمر “وصل إلى وضع نضع فيه كاميرات مراقبة في المقابر، ولا أعلم عن أي مكان في العالم يُضطرّ فيه الناس إلى وضع كاميرات مراقبة في مقابر”.

وقال أبو نصار: “لا أستبعد أن يكون الوجود المسيحي مستهدَفاً، ولا أقدر أن أعمّم، ولكن بلا شك حسب بعض الأصوليين اليهود، فإن المسيحي عدوّ، فتوجد أبعاد عقَدِيَّة لا سياسية فقط، كما لا أستبعد الحقد عند البعض”.​​​​​​​

Follow Us: 

Leave A Reply