لبنان يدخل اليوم رسمياً مرحلة الدولار الجمركي الجديد… 600 سلعة معفاة لكن الأسعار كالدومينو “كلّو لاحِق بعضو”

سلوى بعلبكي – النهار

يدخل لبنان رسميا اليوم مرحلة ضريبية جديدة مع البدء باعتماد الدولار الجمركي على أساس 15 ألف ليرة للدولار، اي ما يعادل أكثر بقليل من ثلث الدولار الجمركي السابق، ومع ذلك لم يسلم السعر الجديد من الانتقاد و”الشيطنة” في مرحلة تحتاج فيها الخزينة الى ايرادات ضخمة تردم الهوة الكبيرة التي حصلت بين حاجات الدولة المتضاعفة وايراداتها التي أضعفها انهيار الاقتصاد وسعر صرف الليرة.

وفي حين تمثل الرسوم الجمركية في كثير من الدول، العمود الفقري لإيرادات الخزينة العامة، وخصوصا في الدول التي تعتمد بصورة مفرطة على الإستيراد الإستهلاكي، بدأ الكلام عن رفع الدولار الجمركي في لبنان، عند بداية الإنهيار النقدي والاقتصادي، يرافق أي نقاش أو تصريح للمسؤولين والخبراء والمحللين. لكن موانع عدة عرقلت الإقدام على هذه الخطوة التي أضحت أكثر من ضرورية لتوازن المالية العامة، في ظل تفاقم سعر صرف الدولار الأميركي، وبقاء الرسوم على سعر صرف 1500 ليرة فقط، أي ما يوازي 3.75 سنتات أميركية فقط.

التأخير والموانع لم تكن مرتبطة بالوضع النقدي أو الاقتصادي، بل بشيوع الخطب والمزايدات الشعبوية التي يحترفها سياسيو لبنان، لبيع الناس أوهاما ومواقف تأتي في نهاية المطاف وبالاً عليهم وحدهم فيما الساسة متخمون ومرفّهون في قصورهم وعلى كراسيهم. تارة كانوا يعللون التأخير بأسباب تتعلق بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وتارة اخرى بالخطة العتيدة الشاملة للنهوض بالاقتصاد، وطورا يعللون رفضهم بحجة أن الأسعار ستشتعل وستتضاعف أسعار السلع والمواد الاستهلاكية 10 أضعاف مما هي عليه الآن، وهي الحجة التي كانت الأكثر تعرّضاً للسخرية والتهكم. إذ لا أحد في لبنان يمكن أن يصدق أن التجار والمستوردين، وفي خطوة وقائية للمحافظة على رأسمالهم، لم يقدِموا على رفع الأسعار مسبقا على جميع المستوردات، وتاليا يمكن ألّا تزداد الأسعار بصورة مفرطة، خصوصا أن نحو 600 صنف من المواد الاستهلاكية، والأدوية والمستلزمات الطبية والاستشفائية، معفاة من الرسوم الجمركية.

الطبقة السياسية في لبنان بتفلّتها من قواعد الحكم الرشيد، وتبنّيها الشعبوية والكذب الوقح على الناس، تتدافع لإقرار زيادات على الرواتب والأجور، لإرضاء ناخبيها المخدوعين بالفتات، فيما تكلف هذه الزيادات الخزينة آلاف المليارات سنويا، قابلة للإرتفاع في ظل تواصل ارتفاع سعر صرف الدولار. والأنكى، انهم يسارعون مع بعض أزلامهم في النقابات والجمعيات المستتبعة لها، الى البكاء والعويل ورسم صورة زلزالية للدولار الجمركي الجديد، وينسى هؤلاء أن البديل من رفع الرسوم، زيادة طبع ليرة، وتاليا المزيد من التضخم والغلاء، وتسريع السقوط نحو القعر الذي بات لبنان قاب قوسين منه.

الزعني: الصناعة مرتبطة بقطاعات أخرى

يدّعي المعنيون أن نحو 600 سلعة أساسية وأكثر معفاة من الرسوم، ولكن عمليا ستشمل زيادة الدولار الجمركي معظم السلع، وإن ليس بشكل مباشر، فالمواد الاولية للصناعة اللبنانية مثلا معفاة من الرسوم الجمركية، وتاليا لن تتأثر برفع الدولار الجمركي وفق ما يؤكد رئيس جمعية الصناعيين سليم الزعني لـ”النهار”، ولكن كل ما هو مرتبط بالصناعة ستشمله الزيادة الضريبية وخصوصا بالنسبة الى النقل والتبريد وغيرهما، فالسيارات التي تُنقل فيها السلع وقطع غيارها ومحروقاتها، اضافة الى التغليف والتعليب، ستكون خاضعة للرسم، وتاليا فإن الاسعار ستزيد بنسب متفاوتة، ولكن طبعا أقل بكثير مما لو كانت الضرائب مباشرة على القطاع. أما عن النسب المتوقعة للزيادة، فيوضح الزعني أنه لا يمكن تحديدها اليوم ونتركها للأيام المقبلة حيث سيتبين من خلال الحركة في السوق الزيادات غير المباشرة ونسبها، خصوصا ان القطاعات في لبنان مرتبطة كلها بعضها ببعض.

الاسعار بالارقام والتفاصيل

يؤكد المسؤولون أن الدولار الجمركي الجديد سيشمل بعض المستوردات من دون غيرها، فيما يشرح مدير مركز إشراق للدراسات الباحث الاقتصادي الدكتور أيمن عمر بالارقام كيفية احتسابها والإرتفاع الذي سيطرأ عليها، من خلال اعطاء مثل عن سلعة خاضعة لرسوم جمركية ذات معدل منخفض (5% كالاجهزة الخليوية مثلا)، وسلعة اخرى بنفس كلفة الاستيراد لكنها خاضعة لرسوم جمركية ذات معدل مرتفع (50%)، (كما هو مبين في الجدولين 1 و2). إذ على افتراض أن كلفة استيراد السلعة الاولى هي 100 دولار (ما يعادل 4 ملايين ليرة على أساس سعر الصرف 40 الف ليرة للدولار الواحد)، وحيث إنها تخضع للرسوم الجمركية بمعدل 5%، أي 5 دولارات (ما يعادل 7.575 ليرات وفق سعر الصرف الرسمي القديم)، اضافة إلى الضريبة على القيمة المضافة 11% والبالغة 17.498 ليرة (4.007.575 × 11%) فإن سعر الكلفة على السعر القديم هو 4.025.073 ليرة.

وبعد تطبيق الدولار الجمركي 15 الف ليرة، وحيث إن سعر الاستيراد هو 100 دولار (ما يعادل 4 ملايين ليرة على أساس سعر الصرف 40 ألف ليرة للدولار الواحد)، وحيث إنها تخضع للرسوم الجمركية بمعدل 5%، أي 5 دولارات (ما يعادل 75.000 ليرة وفق سعر الصرف الرسمي الجديد)، اضافة إلى الضريبة على القيمة المضافة 11% والبالغة 173.250 ليرة (4.075.000 × 11%)، فإن سعر الكلفة على السعر الجديد هو 4.284.250 ليرة، وتاليا فإن الزيادة المرتقبة هي 223.177 ليرة، أي بمعدل 5.54%.

وعلى افتراض أن كلفة استيراد السلعة الثانية هو 100 دولار (ما يعادل 4 ملايين ليرة على أساس سعر الصرف 40 ألف ليرة للدولار الواحد)، وحيث إنها تخضع للرسوم الجمركية بمعدل 50%، أي 50 دولارا (ما يعادل 75.750 ليرة وفق سعر الصرف الرسمي القديم)، اضافة إلى الضريبة على القيمة المضافة 11% والبالغة 24.998 ليرة (4.075.750 × 11%) فإن سعر الكلفة على السعر القديم هو 4.100.748 ليرة.

وبعد تطبيق الدولار الجمركي 15 الف ليرة، وحيث إن سعر الاستيراد هو 100 دولار (ما يعادل 4 ملايين ليرة على أساس سعر الصرف 40 ألف ليرة للدولار الواحد)، وحيث إنها تخضع للرسوم الجمركية بمعدل 50%، أي 50 دولارا (ما يعادل 750 الف ليرة وفق سعر الصرف الرسمي الجديد)، اضافة إلى الضريبة على القيمة المضافة 11% والبالغة 247.500 ليرة (4.750.000 × 11%) فإن سعر الكلفة على السعر الجديد هو 4.997.500 ليرة، وتاليا فإن الزيادة المرتقبة هي 2896.75 ليرة، أي بمعدل 21.87%.

إذاً، حتى مع أعلى نسبة جمركية تبلغ نسبة زيادة الكلفة نحو 22%، وبذلك فإن مَن يعلن أن ارتفاع الأسعار سيراوح ما بين 20 و50% يكون مجافيا للحقيقة، وفق ما يقول عمر، فهو إما من باب التهويل أو الاحتساب الخاطئ. ولكن هذا لا يمنع أن تشهد الأسعار ارتفاعا قد يتخطى حتى الـ 50%، وهذا يحدث بسبب جشع التجار واستغلالهم وقلة أخلاقهم وغياب المحاسبة في الوقت عينه. ولكن هذا لا يعني أيضا أن قرار رفع الدولار الجمركي الآن في ظل الانهيار الاقتصادي هو قرار مالي واقتصادي صائب، هذا القرار يُتخذ ضمن سلة متكاملة من الإصلاحات في إطار خطة مالية واقتصادية شاملة.

ويؤكد عمر ان التغيير في سعر الدولار الجمركي يجب ان يترافق مع تغيير في بنية الجمارك أيضًا، فعلى سبيل المثال الرسوم الجمركية على السيارات تتضمن 3 أنواع من الرسوم هي: رسم جمرك + رسم استهلاك داخلي+ ضريبة القيمة المضافة 11%. ولاحتساب رسم الجمارك ورسم الاستهلاك الداخلي يقسّم أساس الرسوم إلى شطرين: شطر القيمة لغاية 20 مليون ليرة (نحو 13 ألف دولار وفق سعر الصرف 1500)، والشطر الثاني الذي يزيد على 20 مليون ليرة، لذلك من الطبيعي أن تتغير هذه الشطور لتتناسب مع الدولار الجمركي الجديد ومع سعر الصرف الحقيقي في السوق، وليس بالضرورة أن تصبح الشطور 10 أضعاف أكثر من السابق، أي 200 مليون ل. ل. لتتناسب مع نسبة الزيادة في الدولار الجمركي والتي هي 10 أضعاف.

من المؤكد أن رفع سعر الدولار الجمركي 10 أضعاف سيكون له تأثير مباشر على أسعار المستوردات بمختلف أصنافها وأنواعها، وخصوصا مع غياب أي هيبة للدولة ومؤسساتها الأمنية والرقابية، وإن كان الحديث عن شمول الدولار الجمركي الجديد بعض المنتجات المستوردة وليس جميعها، وهي في معظمها، بحسب المسؤولين، كمالية وتلك التي لها بدائل وطنية، إلا أن التجربة خلال الأزمة تؤكد أن التجار الكبار والمستوردين سيتفلتون من الضوابط والقيود وسيقومون برفع الأسعار لتشمل معظم السلع والخدمات إن لم يكن جميعها.

والمشكلة، برأي عمر، أن “لا رادع أخلاقيا ووطنيا ذاتيا يمنع هؤلاء التجار من رفع الأسعار، ولا أجهزة امنية وسلطات رقابية قادرة على ردعهم ومحاسبتهم، أضف إليهم سلطة قضائية معطلة أو غبّ الطلب. ولنضرب مثلا واحدا على ذلك، عند حدوث سرقة واضحة وعند اعتقال السارقين يساقون إلى المخفر، وجُلّ عقابهم هو التوقيع على تعهد بعدم تكرار السرقة مجددًا، وهذا من سخرية القدر في لبنان. فكيف الحال بالتجار الكبار والمافيات والكارتيلات، هؤلاء سيقسمون على القرآن والإنجيل وبشرف أهاليهم بعدم سرقتهم للشعب اللبناني، وعندما يقال للكذاب احلف يقول: إجا الفرج”.

Leave A Reply