الانهيار الاقتصادي مهدِّداً بقايا الاستقرار الأمني

روزانا بو منصف – النهار

اهتزت الدولة بقضّها وقضيضها تحت أقدام المودعين مقتحمي المصارف على رغم ان هذا الاضطراب الامني المتنقل لا يُفترض ان يثير الاستغراب قياسا الى الانهيار المدمر لقدرات الناس واستمراريتهم. “تعجبين من سقمي صحتي هي العجب” على طريقة ابو النواس. تأخر رد فعل الناس كثيرا، مبررا كان أم غير مبرر، بالطريقة التي حصلت فيها الاقتحامات للمصارف. ولكن حين استشعر اهل السلطة بان الاستقرار الامني بات مهددا على نحو جدي للمرة الاولى منذ انهار الاستقرار الاقتصادي للبنانيين وباتوا يواجهون حاضرا جهنميا بكل معنى الكلمة، خفف مجلس النواب انفلاشه الكلامي وأقر الموازنة بسرعة مع زيادات للموظفين والمتقاعدين، اذ ان الاستقرار الامني الذي كان دوما ضمانة للاستقرار الاقتصادي لم يعد هو المعادلة بل باتت المعادلة مختلفة. ذلك ان اهتزاز الاستقرار الاقتصادي بات مهدِّدا بقوة للاستقرار الامني الذي قد يصبح بعيد المنال، لا سيما انه الضمانة الوحيدة التي كانت قائمة بصعوبة حتى الآن على رغم كل ما جرى، ليس منذ ثلاث سنوات بل منذ انطلاق الثورة ضد النظام في سوريا. والاستقرار الامني بحدّه الادنى هو الورقة الوحيدة التي لا يزال يبيعها المسؤولون الى الداخل حيث يضمن استمراريتهم، والى الخارج ويحصلون على اساسها على الدعم منه. ولكن ما جرى سواء كان مدفوعا من جهات ما أم منظما فقط، كان يتوقع ان يحصل في وقت يستمر مجلس النواب يبحث من جلسة الى اخرى في جنس الشروط المطلوبة للنهوض ومساعدة صندوق النقد الدولي، وفيما يستمر رئيس الجمهورية وفريقه في تعطيل تأليف الحكومة والجدل مع الرئيس المكلف في جنس الحكومة. ويظهر هؤلاء جميعهم عدم لامبالاتهم، مضافا اليهم القطاع المصرفي بأسره الذي لم يرحم الناس كذلك، فيما يواصل البلد انزلاقه بسرعة الى مزيد من الانهيار نتيجة عدم القدرة، والارجح عدم الرغبة كذلك في اتخاذ القرار المناسب.

لم يعد البلد كما كان حين حصلت الانتخابات في ايار الماضي وليس في انتخابات 2018 مثلا، فيما تدهور سعر الليرة واتجه البلد الى مزيد من الانحدار ولم يعد كما هو حين تألفت الحكومة في ايلول من العام الماضي. وقد شهد التضخم قفزة جديدة وانهارت الليرة وكذلك الخدمات العامة الاساسية وتدهور وضع الناس اجتماعيا واقتصاديا على كل المستويات. في الاسابيع الاخيرة بات الاستقرار الامني يتعرض لاهتزازات اكبر على وقع استغراب مستمر لتواصل الانهيار من دون ردة فعل على شكل انتفاضة من اللبنانيين، في حين ان ردة الفعل بدأت تترجم نفسها في احداث متنقلة ومخيفة ومعبرة عن حجم المأساة التي لم يعد في مقدور اللبنانيين تحمّلها، علما ان اقتحام المصارف بدا منظما وليس عفويا على رغم حق الناس في الوصول الى ودائعها والحصول على ما تريده من المصارف التي تهين الناس ايضا وقد خانت الثقة التي اولاها اياها هؤلاء. وكان يمكن بدلا من إهدار الملايين على مساعدات ذهبت للتجار والمحتكرين اعطاء المودعين جزءا من ودائعهم ما يقيهم شر العوز في هذه الظروف.

يخشى مراقبون ان امرا واحدا لم يتغير في حمأة بهدلة اللبنانيين واهانتهم من سلطة سياسية تجتر الكلام والاقتراحات والمشاريع والوعود وتستهين بكرامة الناس وحياتهم، وهو الالاعيب السياسية نفسها التي شهدها لبنان، لا سيما في نهاية عهد اميل لحود وقبيل الاعداد لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. وكان مسؤولون دوليون حذروا من استنفاد لبنان فرصته المتاحة اولا في ظل اهتمام لا يزال قائما بالحد الادنى في موضوع ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل، وثانيا في موضوع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي بالنظر الى ان هذا الاهتمام لن يستمر اذا لم ينتشل لبنان نفسه. الفارق الوحيد بين ذلك الوقت والوضع الراهن يتمثل في انهيار تدميري ضرب كل مرتكزات البلد ومؤسساته ولم يبق سوى الاشخاص القيّمين على مؤسسات مفككة لم يبق منها سوى المؤسسات الامنية التي تعجز بسبب الانهيار عن القيام بواجباتها.

يكرر السياسيون السيناريو نفسه واللاعبون السياسيون انفسهم تقريبا في المرحلة التي سبقت انتخاب الرئيس ميشال سليمان، اذ يلاحظ معنيون، بكثير من الملل والتعب، ان البازار الرئاسي يكرر نفسه كما في كل مرة. ويسري ذلك على كل مراحل التعطيل والتعجيز والرفض والطموح القاتل لرئاسة يرغب طامحون في ان تُعقد لهم بأي ثمن حتى لو انتهت الجمهورية، وصولا الى ورود اسم قائد الجيش كمرشح غير تقليدي من غير نادي التقليديين والذي قد ينتظر الوقت المناسب ليبرز الخيار الوحيد التوافقي المتاح. كل ذلك يجري ويخشى المزيد من اللغو كأنما الازمة الاقتصادية والانهيار غير موجودين على الاطلاق وان كانت تتم الاشارة اليهما عرضا لاظهار السياسيين انفسهم بانهم مهجوسون بمآسي الناس فيما انهم في الحقيقة لا يبالون. ومن استمع الى النواب الذين تشارك كتلهم في الحكومة في مناقشة الموازنة يتبين له مدى الانفصام من جهة، ومدى السعي الى الفصل بين الحكومة والاحزاب المشاركة فيها كما لو انها تتألف من المعارضة وليس من السلطة الحاكمة لوحدها منذ ثلاث سنوات، من جهة اخرى.

يخشى البعض من ان الاستعداد الذي يجري لشغور طويل في موقع الرئاسة الاولى لا يقتصر على محاولة تعبئة الفراغ بحكومة لا يطعن بها احد او يفتعل إشكالا كما هدد رئيس الجمهورية ورئيس تياره برفض تسلم حكومة تصريف الاعمال التي تناقش الموازنة في مجلس النواب ما يؤكد شرعيتها، بل يخشى ان ترافقه احداث مفتعلة تحت شعارات مختلفة او بتغطيات او مبررات وهمية بحيث تفتح الابواب على احتمالات خطيرة.

Leave A Reply