الخطر على الديموغرافيا اللبنانية

غسان حجار – النهار

ليست مسألة عنصرية، ولا هي مذهبية، ولا سياسية، كما يحلو لكثيرين من المزايدين تحوير الوقائع والامور وتفسيرها على هواهم، أو وفق أجندات جمعيات ومنظمات تستفيد من المناداة بحقوق وشعارات مبدأها صحيح وواقعها مختلف تماما.

يوم نشرت “النهار” دراسة علمية، انجزتها احدى المنظمات، عن تأثير اللاجئين السوريين على زيادة التلوث في لبنان، قامت الدنيا ولم تقعد، باعتبار إبراز الموضوع عملاً عنصرياً عدائياً بامتياز، علماً ان كل زيادة غير متوقعة في عدد السكان تشكل ضغطاً على البنى التحتية، وعلى نوعية الخدمات العامة، وعلى التلوث في المياه والهواء والنفايات، خصوصا في بلد مثل لبنان، خدماته ضعيفة أصلاً، ونوعيتها ما دون الجيّدة، وهي صارت متهالكة حاليا، اذ لا كهرباء ولا مياه، وحاليا خدمة الهاتف والانترنت متقطعة، والحبل على الجرّار.

لكن الامر الثاني المهم بالنسبة الى اللاجئين، السوريين خصوصاً لأنهم الاكثر عدداً، هو تغيير الديموغرافيا في لبنان، مع ما يحمله ذلك من تغيير بنيوي في تركيبة البلد.

السوريون الذين وفدوا الى لبنان من جراء الحرب في بلادهم، ولم يكن ممكناً عدم استقبالهم رغم كلام المزايدين في هذا الشأن، ينتمون الى فئة شبابية، اذ غالبا ما يهجر الابناء، ويتمسك المتقدمون في السّن بأرضهم وبيوتهم، ويتحملون مشقة العيش، لأسباب عاطفية، ولأن الفرص لن تكون متوافرة لهم كالأبناء.

وبالتالي فان الذين وفدوا الى لبنان، والموجودين فيه أصلاً للعمل، هم شباب في مقتبل العمر، وبسبب الحرب، ارسل كثيرون في طلب عائلاتهم، وتزوج الآخرون في لبنان، بعدما طالت الحرب، وتراجع منسوب الامل بالعودة وبناء اسرة ومنزل هناك.

وتبيّن نسبة الولادات المرتفعة، أياً تكن الارقام، ان معدل الانجاب لدى السوريين اعلى بكثير من معدل الأسر اللبنانية، اضف الى ذلك، ان معدل هجرة الشباب اللبنانيين يرتفع باطّراد، وبعدما كانت هجرة موسمية للعمل أو للدراسة، باتت بعد الازمة تتحول هجرة دائمة، ولا يفكر كثيرون منهم بالعودة الى لبنان نهائيا، إلا في عطلة أعياد أو صيف، لرؤية أهل تقدموا في العمر، وقد تؤدي وفاتهم الى انقطاع كلّي للابناء، وبالتأكيد للاحفاد، عن لبنان.

والهجرة اذا كانت تطاول شبانا وشابات، فإنها تصيب مجتمع الكفاءات، اي لدى الشبان المتلقّين علوما عليا خصوصا، واصحاب المواهب، واصحاب الخبرات، وربما اصحاب المصالح والاموال. وبذلك يخسر البلد خيرة شبابه، وتبقى فيه مجموعات، بعضها مناضل يرفض التخلي عن وطن الآباء والاجداد، وبعضها لا تتوافر له فرص السفر وتدبّر اموره في الخارج.

في البنايات الصغيرة نسبيا، في معظم المدن، يكاد عدد ابناء ناطور سوري يضاهي عدد الاولاد الصغار في المبنى كله، وتجد في المدن والقرى بيوتاً ليس فيها إلا العجائز بعدما هجرها الابناء. وباتت كل القطاعات تحتاج الى أيدٍ عاملة اجنبية، لعدم توافر بديل محلي منها.

ليس الهدف التحريض بالتأكيد، فكل دول العالم تفتش عن أيدٍ عاملة، تأتي بها من البلدان الافقر، لكن نسبة الوافدين الى اي دولة في العالم لا يمكن ان تبلغ نصف عدد سكانها كما هي الحال في لبنان حيث نحو 4 ملايين لبناني، اضف اليهم نحو مليون ونصف مليون سوري، ونحو 400 الف لاجىء فلسطيني، الى آخرين من جنسيات مختلفة.

قضية اعادة اللاجئين الى بلادهم تحتاج الى حل جذري، لا يقوم على التعصب والعنصرية، بل على قرار حكومي جدي من دون مزايدات سخيفة، وقبل فوات الأوان.

Leave A Reply