كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: خرج الطفل ريان من قعر البئر جثة هامدة رغم الجهود الجبّارة التي بذلتها السلطات المغربية على مدى 5 أيام لانتشاله قبل أن يلقى حتفه… وفي لبنان عشرات آلاف الأطفال والشبان لا يزالون عالقين في قعر “جهنم” بفعل الجهود الجبارة التي تبذلها السلطات اللبنانية لقطع كل حبال النجاة الممدودة لانتشالهم وإنقاذهم، فمنهم من قضى نحبه إما تفجيراً في 4 آب أو جوعاً ومرضاً على مدار السنوات الأخيرة، ومنهم من لا يزال يصارع الحياة ويتحضّر للقادم الأسوأ، سيما وأنّ الإحصائيات التي نشرتها منظمة “اليونيسف” أظهرت أنّ “3 من بين كل 10 شبان وشابات في لبنان توقفوا عن التعلّم ويعتقدون أن الحياة ستزداد سوءاً”، مفندةً في دراسة عن “واقع ومستقبل الشباب” اللبناني معطيات بالغة السلبية حيال “الصحة النفسية لجيل الشباب” تحت وطأة اشتداد الأزمة الاقتصادية التي دفعت “13% من العائلات لترسل أطفالها دون الـ18 إلى العمل”، في حين بات يعتبر نحو 41% من الشباب اللبناني أن فرصة النجاة الوحيدة أمامه هي “في البحث عن فرص في الخارج”.
وبينما الانهيارات تتوالى تحت أقدام اللبنانيين، والآمال تتلاشى باتخاذ السلطة خطوات جدية باتجاه الإصلاح ووقف الانهيار، ثمة بصيص أمل وحيد يلوح في الأفق مع قرب موعد الانتخابات النيابية التي قد تقود البلد إلى نهاية النفق الذي زجّته به الأكثرية الحاكمة، فتخرجها صناديق الاقتراع صاغرةً من سدة الحكم إذا ما أعادت رسم موازين القوى النيابية بشكل يغلّب كفة المصلحة اللبنانية البحتة على كفة المصالح الشخصية والحزبية والإقليمية… وطالما أنّ هذا الخطر ماثل أمام أركان الحكم، يتهدد جدياً سلطتهم وسطوتهم على الدولة، فإنّ “الغرف السوداء” تسابق الوقت لإنضاج مؤامرة “تطيير” الاستحقاق النيابي المقرر في أيار، وتعدّ العدّة اللازمة لإرجائه تحت ذرائع قانونية ولوجستية وأمنية قابلة للتسويق في الأروقة الديبلوماسية، خصوصاً وأنّ مصادر واسعة الاطلاع كشفت لـ”نداء الوطن” أن بعض قيادات قوى 8 آذار بدأ ينشط باتجاه مفاتحة ممثلين عن جهات خارجية باحتمال طرح “تأجيل الانتخابات لمدة سنة واحدة”.
وإذ أوضحت أنّ العاملين على خط تسويق هذا الطرح “يتجنبون الحديث عن التمديد لولاية المجلس النيابي لكونها فكرة غير قابلة للحياة ومرفوضة داخلياً وخارجياً”، نقلت المصادر في المقابل أنّ مقاربة قوى الأكثرية لتأجيل الاستحقاق الانتخابي “تدرّجت من محاولة ضخ أجواء تشكيكية بالقدرة على إنجاز الاستحقاق على وقع ترداد عبارة “إذا حصلت الانتخابات” في الصالونات السياسية، مروراً بتسخيف مفصلية الانتخابات في حال حصولها، والتخفيف من أهميتها باعتبارها لن تُحدث أي تغييرات جذرية في تركيبة المجلس النيابي إنما ستقتصر على بعض الخروقات الموضعية المحدودة في بعض المناطق”.
وبناءً عليه، يجري الترويج حالياً للتأجيل الانتخابي لمدة عام انطلاقاً من “إشاعة أنّ المنظومة السياسية الحاكمة راهناً ستحافظ على أكثريتها، سواءً حصلت الانتخابات في موعدها أو تأجلت لذا فمن الأفضل اعتماد خيار التأجيل لتجنيب البلد خضات إضافية في ظل الظروف الضاغطة التي يعيشها اجتماعياً واقتصادياً، أقلّه ريثما يتم تمرير المشاريع الإصلاحية في الحكومة والمجلس وإبرام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لكي يصار إلى تنفيس الاحتقان وتهيئة الأجواء لإنجاز الانتخابات في أجواء مريحة، وسط تلميح صريح من قبل المنظّرين لسيناريو التأجيل إلى إمكانية أن تفرض الأزمة الخانقة نفسها على الأرض، فيصبح متعذراً إجراء الاستحقاق الانتخابي في موعده، محذرين من فرضية حصول وقائع ميدانية مباغتة من شأنها أن تجعل عملية الانتخاب مشوبة بالمخاطر الأمنية، مع الإشارة في هذا المجال إلى تحركات “اتحادات بسام طليس” الأخيرة على الأرض للاستدلال منها على احتمال نزول المعترضين على الأوضاع المعيشية إلى الشارع وتقطيع الطرقات في بيروت والمناطق، لتصبح حينها عملية التنقل والوصول إلى أقلام الاقتراع مهمة مستحيلة”!
في المقابل، وفي موقف مندد بتكرار عملية قطع الطرق التي قامت بها اتحادات النقل البري بقيادة طليس، لفت تشديد البطريرك الماروني بشارة الراعي في عظة الأحد على أنه “لا يحق لأحد أن يقطع الطرقات الرئيسية أمام المواطنين فيأخذهم رهينة”، محذراً المسؤولين من مغبة “التلاعب بالموعد المحدد لإجراء كل من الإنتخابات النيابية والرئاسية”، وشاجباً “كل محاولة لإرجاء الإنتخابات باختلاق أسباب غير دستورية أو سواها تولّد عدم الثقة في نفوس اللبنانيين”، وأردف: “أوقفوا اختلاق الأخبار والإشاعات والإساءات والانتقامات والأحقاد والكيدية، أوقفوا ضرب مؤسسات معيّنة الواحدة تلو الأخرى، أوقفوا الإضرار بسمعة لبنان والنقد اللبناني والمصرف المركزي والجيش والقضاء، وهي ثلاثية الاستقرار والأمن والعدالة”.
وانطلاقاً من إبداء حرصه على هذه “الثلاثية”، تطرق الراعي إلى قضية الملاحقات القضائية بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة راسماً ما يشبه “الخط الكنسي الأحمر” حول سلامة، ودعا في المقابل إلى ضرورة وضع حد للقاضية غادة عون من دون أن يسميها، عبر مطالبته “المرجعيات القضائية العليا بأن تخرج عن تردّدها وتضع حدًّا لـ”الجزُر القضائية” داخل القضاء”، مشدداً على أنّ “بعض القضاة يفقدون استقلاليتهم ويخضعون للسلطة السياسية ويُنفّذون توجيهاتها من دون تقدير خطر هذه الممارسات على مصلحة لبنان العليا”، مع الإشارة إلى وجوب “محاكمة جميع الفاسدين الذين بدّدوا المال العام وأوصلوا البلاد إلى الانهيار السياسي والاقتصادي والمالي، لا أن تنتقي السلطةُ شخصاً واحداً من كل الجمهورية وتلقي عليه تبعات كل الأزْمة وفشل السنوات الثلاثين الأخيرة، فهذا أفضل أسلوب للتغطية على الفاسدين الحقيقيين وتهريبهم من وجه العدالة وأقصر طريق لضرب ما بقي من النظام المصرفي اللبناني”.