موديز: لبنان في أدنى درجات التصنيف الائتماني.. ويستمر لسنوات

علي نورالدين – المدن

لم يحمل تقرير موديز الأخير أي تحسّن في تصنيف الشركة الائتماني لبنان وسندات دينه السيادي، والذي يكتسب أهميّة خاصّة من ناحية تأثيره على سعر التداول الخاص بالسندات في الأسواق العالميّة، ناهيك عن إمكان عودة الدولة لبيع سندات دين جديدة بعد إعادة هيكلة ديونها المتعثّرة. وتقارير شركات التصنيف الائتماني، والتصنيفات التي تمنحها، تؤثّر على بعض الإجراءات المحاسبيّة المعتمدة لدى الصناديق والشركات والمصارف التي تحمل سندات الدين السيادي اللبنانيّة، من قبيل حجم المؤونات التي يفترض تكوينها مقابل الخسارة المتوقّعة من حمل هذه السندات.

التصنيف الأدنى

وحسب التقرير، مازال التصنيف الائتماني للحكومة اللبنانيّة وسندات دينها السيادي محافظًا على مستوى C، وهو أدنى تصنيف يمكن أن تمنحه الشركة على الإطلاق لسندات الدين المتداولة في الأسواق العالميّة. فبحسب جدول تصنيفات الشركة، يمنح هذا التصنيف في العادة لسندات الدين المتعثّرة، والتي لا تعطي الكثير من الأمل لحامليها لجهة إمكان استعادة قيمتها الأساسيّة أو قيمة الفوائد المتراكمة عليها. مع العلم أن ثمّة تصنيفات أخرى أعلى من هذا التصنيف للسندات المتعثّرة والمأزومة أيضًا، والتي تحمل “بعض” الأمل باستعادة قيمتها لاحقًا، في حال إعادة جدولتها في المستقبل. لكنّ الوكالة لم تقرّر رفع مستوى تصنيف لبنان إلى هذا المستوى المتفائل نسبيًا، وأبقت على تصنيف سنداته ضمن الخانة الأدنى المخصصة للسندات المعدومة الأمل.

باختصار، ورغم ادعاء الحكومة تحضير مسودّة خطّة ماليّة للتفاوض على أساسها مع صندوق النقد، ومن ثم انطلاق المحادثات التمهيديّة الجديدة، وبالرغم من خطوات المصرف المركزي على مستوى ضخ الدولار وضبط سوق القطع، لم تر “موديز” حتّى اللحظة ما يستحق رفع تصنيف لبنان وسندات دينه السيادي، ولو درجة واحدة ضمن الفئات المخصصة للسندات المتعثّرة. وبعد أن أعلن لبنان منذ آذار 2020 الامتناع عن سداد سندات اليوروبوند، ما زالت موديز لا ترى أن التطورات الأخيرة تعطي أي بصيص من الإيجابيّة في إمكان سداد هذه السندات لاحقًا، ولو عبر التفاوض من أجل إعادة جدولتها.

خارج أسواق الدين

الملفت في الموضوع، هو أن “موديز” اعتبرت أن إجراء أي تحسين في تصنيف لبنان السيادي يحتاج إلى سنوات عدة من الإصلاحات الجديّة والجوهريّة، من ضمنها العودة لتحقيق معدلات نمو اقتصادي وازنة، والقدرة على تسجيل فوائض في الميزانيّة العامّة للدولة، على أن يترافق ذلك مع إعادة هيكلة شاملة ومدروسة للدين العام. وفي النتيجة، يمكن بعدها العودة إلى رفع تصنيف لبنان الائتماني في المستقبل، بعد ضمان استدامة الدين العام واستعادة قدرة الدولة على سداد السندات لاحقًا.

وإلى أن يتم ذلك، من المرتقب أن تظل الدولة اللبنانيّة خارج أسواق الدين العالميّة، أي خارج نطاق القدرة على الاقتراض بحريّة من هذه الأسواق عبر إصدار سندات جديدة، في ظل التصنيف المتدني لسنداتها، وتشاؤم الأسواق بخصوص هذه السندات قبل إعادة هيكلتها. وبالتالي، من المرتقب أن تقتصر قدرة لبنان على الاقتراض طوال السنوات المقبلة على صندوق النقد والجهات الداعمة الأجنبيّة، في انتظار حصول تحسّن في تصنيفات لبنان الائتمانيّة التي تمنحها الوكالات.

الدلالة الثانية للتصنيف الذي أبقت عليه “موديز”، تكمن في حجم الخسارة المتوقعة التي سيتحمّلها حملة سندات اليوروبوند اللبنانيّة، والتي تقارب 65 في المئة من قيمة السندات. وبذلك، تتوقّع موديز أن تزيد خسارة حملة السندات الفعليّة بنحو 20 نقطة مئويّة عن الخسائر التي طلب مصرف لبنان من المصارف اللبنانيّة توقعها، مقابل محفظة سندات اليوروبوند التي تحملها، والتي حددها عند نحو 45 في المئة من قيمة السندات. وبينما طلب مصرف لبنان من المصارف تكوين المؤونات من رساميلها للتعامل مع خسارة متوقعة بهذه النسبة فقط، تدل توقعات “موديز” إلى أن المصارف تحتاج إلى تكوين مؤونات إضافيّة، تفوق تلك التي طلبها مصرف لبنان، للتعامل مع خسائرها الناتجة عن تملّك سندات اليوروبوند. علمًا أن خسارة حملة السندات تترتّب لاحقًا عند إعادة هيكلة الدين والاقتصاص من قيمته.

المركزي يهدر الدولارات

أمّا من جهة قرارات مصرف لبنان الأخيرة، فلم تبد “موديز” الكثير من الترحيب بقرار بيع الدولار النقدي على سعر صيرفة، من خلال الفروع المصرفيّة. فمحدوديّة الاحتياطات المتوفّرة لدى مصرف لبنان، وغياب اتفاق تمويل متكامل مع صندوق النقد الدولي، وعدم وجود رؤية لكيفيّة إدارة السياسة النقديّة على المدى الطويل، كلها عوامل تجعل من خطوة مصرف لبنان مجرّد عمليّة مؤقّتة غير قادرة على تحقيق استقرار طويل الأمد في سعر صرف الليرة اللبنانيّة مقابل الدولار الأميركي. أمّا النتيجة الوحيدة المتوقعة في النهاية، فهي هدر الدولارات التي يستخدمها في سياق هذه العمليّة، من دون التأسيس لحل مستدام على مستوى أزمة سعر الصرف.

وفي سياق التحليل الائتماني، عددت “موديز” عوامل الهشاشة والضعف التي يعاني منها الاقتصاد اللبناني، والتي تعيق انطلاقه في مسار التعافي المالي على المدى المنظور. من هذه العوامل تراجع القدرة التنافسيّة للاقتصاد وعدم قدرته على تسجيل معدلات نمو معتبرة منذ العام 2011، بعد اندلاع ثورات الربيع العربي، والتي نتج عنها تباطؤ شديد في الحركة السياحيّة، وتقلّص جذري في الحركة التجاريّة، إضافة إلى تراجع التحويلات الماليّة الواردة إلى السوق اللبنانيّة. وأشارت “موديز” في سياق التحليل إلى ضعف البنى المؤسساتيّة وأنظمة الحوكمة، ومحدوديّة فعاليّة السياسات النقديّة والماليّة المتبعة من قبل الدولة اللبنانيّة ومصرف لبنان. وهذا يعيق الحصول على الدعم الخارجي في المستقبل، نتيجة غياب الثقة بالدولة اللبنانيّة في مسار التعافي المالي.

بلا أمل

في النتيجة، لا تعديل يطرأ حاليًّا على تصنيف “موديز” للبنان الضعيف أساسًا، خصوصًا بعد الأخذ في الاعتبار الكلفة الباهضة لمسار التصحيح المالي والانتقال نحو نموذج جديد أكثر استدامة، إضافة إلى صغر حجم الاقتصاد المحلّي ومحدوديّة آفاقه. وحتّى إشعار آخر، تظل سندات لبنان برأي وكالات التصنيف مجرّد سندات متعثّرة لا أمل بتحصيل ولو جزء من قيمتها على المدى المنظور، في انتظار صدور الخطة الماليّة رسميًّا عن الحكومة اللبنانيّة، ومن ثم الدخول في المفاوضات الجديّة مع صندوق النقد الدولي، تمهيدًا لإعادة هيكلة الدين العام. مع العلم أن “موديز” قدّرت قيمة الدعم الخارجي التي يحتاجها لبنان خلال تنفيذ هذا المسار قد تصل إلى حدود 15 مليار دولار.

Leave A Reply