عاشوراء اليوم وكل يوم بقلم محمد الشيخ علي فياض فتوني

 ٠٠بسم الله الرحمن الرحيم

عاشوراء هي حياة الإسلام واستمراريته

الحمدلله الذي علا في توحّده ودنا في تفردّه وجلّ في سلطانه والحمد لله رب العالمين والصلاة على نبيّ الرحمة وعلى آله الأطهار الميامين وصحبه الأخيار المنتجبين إلى يوم الدّين.

السلام على علمائِنا الأعلام ومراجعنا الكبار، السلام على شهدائنا الأبرار المقاومين الشرفاء الأبطال.

لقد ضمِن الله سبحانه وتعالى نصرَ الإسلام وانتصار القرآن الذي سيصبحُ بل وأصبحَ منهجاً للإنسانية جمعاء، فحكمٌ المؤمنونَ الأرضَ كلّها وهذا ما أكدّهُ جميعُ الأنبياء عليهم السلام.

أما فترة الظّلم والفساد التي تعاني منها الإنسانية في ايامنا، فما هي الا فترةً عابرةً، لأن النّصرَ في النهاية للحق، فكلمة الله هي العليا والذين استمسكوا بعروة الله الوثقى هم المنتصرون.

فمدرسة النبيُّ الأعظم واضحةً خرّجت مدرسة أهل البيت عليهم السلام “ع”، مدرسة حمله القرآن الكريم لهداة الناس إلى الصّواب.

لذلك يتّفق المسلمون على أن للإمام امير المؤمنين عليه السلام ما ليس لغيره من المسلمين من المميزات، فهو من بينهم الإنسانُ الوحيدُ الذي ربّاه الرسولُ الأعظمُ الأكرمُ أيام طفولته ونشأهُ على طريقتِه ثمّ اختاره من بين الجميع أخاً له، لأنه كان أعلم أصحابِ الرّسولِ بكتاب الله وسنة نبيّه.

كان أعظمهم جهاداً وانطَقَهم بالحكمةِ وأبلغهم خطاباً وأحرصهم على إقامة حدودِ الله، وأصلبهم في إقامةِ العدلِ وإحقاقِ الحقّ وأزهدَهم في المادّة و مِتَعِ الحياة، وهي صفاتٌ جعلها الله في محكمِ كتابِه.

هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ان اكرم الناس عند الله أتقاكم.

فالحمد لله الذي أنعم برسولِه الذي بُعِث رحمةً للعالمين و أسبغها علينا بولاية الأئمة الكبار الأطهار العِظام الّذين هم ميزان الله الأتمّ، فبنورهم تستضيءُ القلوب لمقارعة الظّلم والفساد المستشري بين المسلمين والمجتمع آنذاك

وبشكل عام.

من هذا المنطلق، الرسول الأكرمُ والإمامُ عليّ والسيدة الزّهراء والمؤرّخون من الصحابة الأخيار يقولون أن عاشوراءَ ثورةُ الإمام الحسين عليه السلام هي لتصويب المسيرة الإسلاميه وإصلاحِها هي حياة الإسلام والأديان.

ًفعندما بلغَ الظّلمُ ذروتَهُ وأصبحَ المجتمعُ سجناً مظلما على الإمام وأنصارِه والأمة، فالإضطهاد والحِرمان والطبقية في كل مكان، فباتَ المجتمعُ فئةٌ حاكمةٌ تتقلّب في أحضان النعيمِ والكفرِ، وفئةٌ مؤمنةٌ فقيرةٌ معدمةٌ يطاردُها بنو أمية في كل مكان.

ِفيزيدُ الفاسقُ المستهترُ أباحٌ الزّنا وعقدَ حلقاتِ الشّراب في مجلس الحُكم، وألبسَ القرودَ خلاخِلَ من ذهبٍ و مئاتِ الألوف صرعى على الجوعِ والعطشِ والحرمانِ.

إذاً على ضوء هذه المسؤولية الكبرى، ناهضَ الامامُ جَور الأمويين، وناجزَ مخططاتِهم الهادفة الى استعبادِ الامةِ وإذلالِها، وقد أدلى بما يحتمُه الإسلامُ عليه من الجهاد لحكمِ الطّاغية يزيد أمام الحرِّ وأصحابه.

من أجل هذا أيضاً، تلحُّ على الفِكرِ والقلبِ خواطرَ تطمحُ للتَّدوين وبتواضعٍ ومعرفة نرى الإمام الحسين عليه السلام قمّة حارَ فيها الفكر لأن بطولاتِ الإمام ما اقتصرت يوماً على ميادينِ الحرب، فقد كان بطلاً في صفاء بصيرتِه وطهارةِ وجدانِه وسحرِ بيانِه وعُمقِ إنسانيتِه وحرارةِ إيمانِه ودعتِه ونُصرتِه للمحروم والمظلوم من الحارِم والظّالم وتعبّدِه للحق أينما تجلّى فهو الذي أعطى درساً خالداً للأجيال.

من هذه المبادئ و تلك الأجواء، انطلقت ثورةُ أعظمُ قائدٍ روحيٍّ وزمنيّ عرفَه التاريخ بعد جدّه وأبيه عليهم السلام.

هؤلاء الأبطال آثروا الحياة الآخرة على الدنيا، توالت بطولاتُهم الدّينية والإجتماعية ملحمة إثر ملحمة وفداءً إثر فداء لرفع راية الإسلام الحقيقي والإجتماعي. فكان يوم كربلاء،

هذا يوم ليس يوماً للمسلمين الشيعة والسنة، لا هو يوم للعرب ولا للعجم، إنّه يومٌ لجميعِ الشّعوب، يوم للإنسانية كلِّها على امتدادِ الزّمان والمكان.

ونحن الّلبنانيين خاصة والعامليّين عامة على اختلاف مِلَلِنا وميولِنا لكم يَستَبِدُّ بنا الشّعور في هذه الأيام التي يستمرُّ فيها الصّراعُ عنيفاً على أرضنا بين الخير والشّر الى استقراءِ كربلاء الحسين ومعانيها، لا في هذا اليوم وحدَه بل في كلِّ يومٍ لأن قِيمَ الإمام انتصرت في كربلاء.

فحياة الإمام حفِلَت بجلائِل الأعمال والجِهاد وزَخُرَت بأسنى المَفاخر والمآثر وهو مُقبلٌ على الإستشهاد من أجل خدمة الدّين وإحياء الشريعة.

ما بدا احدٌ بقتل، لم يواجه خصومَه إلاّ بالحِوار و بالكلمة الطّيبة والنصيحةِ الصادقة، والمنطقِ الحكيم، من أبرز صفاتِه أنّه لُقِّبَ بأبي الضّيم والصراحةِ في القولِ والسّلوك، لم يُوارِب، لم يُخادِع، لم يسلُك طريقاً فيه ايُّ إلتواء.

لا يُقابِل مسيئاً بإساءتِه، ولا مذنِباً بذنبِه، إنّما كان يَغدِقُ عليهم ببرّه ومعروفِه، فجُبِلَ على التّواضُع ومجافاة الأنانية والكبرياء، فمزاياهُ الجود والسّخاء، كان ملاذاً للفقراء والمحرومين وملجأً لمن جارت عليه الأيام.

كان عنده الصّلابة في الحق، شأنَه شأنُ جدِّه الرسول الأعظم وأبيه عليّ وأمّه الزّهراء عليهم السلام.

من هنا، من مبادئ هذه الثورة، ونحن في هذه الاجواء الرّوحانية الكربلائيّة العاشورائيّة، انطلقت ثورتُنا ومقاومتُنا الإسلامية والوطنية، فانتصرنا على العدو الذي لا يُقهرْ المُغتصب أرضنا ومقدّساتِنا وفلسطيننا، إنتصرنا على الدّواعش الوحوش الكاسرة بإذن الله.

نعم! بالمقاومة انتصرنا وانتصرت اليمن والعراق وسوريا الأسد والثورة الإسلامية الإيرانية حكوماتٍ وشعوباً، هذه المقاومة بشهدائها المزدحمة برجالاتِها وعباقراتِها وقياداتِها، فرَوَتْ دماؤهم الطّاهرة الأرضُ العامليّة، فكانوا أبطالاً في ساحات الوغى وارتقَواْ شهداءَ وأمراءَ ضحَّوا بحياتِهم لتحيا الأمة بنفوسٍ أبيةٍ عالية لا يحُطُّ من عزمِها القُنوتْ والوهن ، فدوّى أثرُهم ومآثِرُهم المستمدّة من الثورةِ الحسينية مقاومون شرفاءَ حتّى أصبحوا المصدرَ المرموقَ في دنيا العرب ولبنان والعالم كلّه وفي سجلِّ الخلود، وفي هذه الأرض العاملية الغفّاريّة التّي هي منبِتُ أهلِ العِلم والأدبِ والفقهِ والدّينِ على السّواء.

وكأني بالبحث الإنكليزي جون أشر، حيث يقول: إن مأساة الإمام الحسين بن علي تنطوي على اسمى معاني الإستشهاد في سبيل العدل الإجتماعي.

ُيا حسيناً كن بعوني في الفداءِ /دمُك المهراقُ تاج الشهداءِ

أمّكَ الزّهراءُ بنتُ المصطفى/ من حَشاها بذَلَتْ أغلى الدِّماءِ

هي والعذراءُ ركنا قُبلةٍ / مكّةُ والقدسُ أرضُ الأنبياءِ

السلامُ على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين وعلى أخيك أبي الفضل العباس وعلى أختك الحوراء زينب.

عظّم الله اجورنا واجوركم

Leave A Reply