غسان ريفي – سفير الشمال
هي دوامة بفصول مستمرة لا تنتهي، لكنها تصب بنتائجها السلبية على اللبنانيين الذين فقدوا الأمل بالوطن وقياداته ومؤسساته وقضائه ومصارفه، في ظل مصالح سياسية ومكاسب إنتخابية، ومحاولات إنتقامية تتداخل مع بعضها البعض، فتقدم الحق لتحقيق الباطل، و”تغطي السماوات بالقباوات”، و”تعمل من الحبة قبة” ليخدم ذلك أجندات ومشاريع على حساب لقمة العيش و”فلس الأرملة” والحياة الكريمة.
بدأت تترسخ قناعة لدى الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، أن ملفات “قاضية العهد” تحولت الى “غب الطلب”، وأن لكل منها توقيتا ومناسبة وهدفا، لخدمة التوجهات السياسية العليا أو للتغطية على بعض القضايا الكبرى التي يسعى العهد الى إثارة الغبار حولها وهي كثيرة جدا تبدأ من ثورة 17 تشرين، ولا تنتهي عند فضيحة الخط 29.
تشير المعلومات الى أن حاكم مصرف لبنان إلتزم أمام وفد الخزانة الأميركية الذي زاره مؤخرا بالطلب من المصارف إعداد لائحة بالشخصيات التي قامت بتهريب أموالها من لبنان بعد الثورة ولم تبادر الى إعادتها أو إعادة قسم منها، على أن تكون هذه اللائحة بحسب الالتزام جاهزة أواخر الشهر الجاري لتتسلمها الخزانة الأميركية وتبني على الشيء مقتضاه.
وفي الوقت الذي كان يجري فيه العمل على إعداد هذه اللائحة، جددت “قاضية العهد” ومن يدور في فلكها الحملة على المصارف لا سيما تلك الكبرى التي تستقطب أموال المودعين الكبار من سياسيين وموظفين فئة أولى وتجار وغير ذلك، وتم إستدعاء رجا سلامة شقيق حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، فتم توقيف الأول وجاهيا، وإستدعي الثاني لجلسة ستنتهي حكما بالتوقيف في حال حضرها، وتم بفعل دعاوى من بعض المودعين الذين لا يتعدون أصابع اليد الواحدة إقفال مصارف وحجز على خزائن وختمها بالشمع الأحمر، وما زاد الطين بلة وفاة ميشال مكتف الذي إتهم بتهريب الأموال وتعرضت مؤسسته للاجتياح بواسطة الكسر والخلع، ما تسبب بإرباك غير مسبوق في القطاع المصرفي الذي ينفذ اليوم وغدا إضرابا تحذيريا لوقف هذه الاستنسابية القضائية.
ما قامت به “قاضية العهد” يأتي ضمن إطار “كاد المريب أن يقول خذوني”، حيث يبدو واضحا أن ثمة جهات أخذت على عاتقها قيادة هذه “الأوركسترا” في تحرك حق يراد به باطل، فلا أحد يختلف على حقوق المودعين وعلى تعاطي المصارف السيء والاستنسابي معهم، لكن ما حصل أثار بلبلة في كل مساحة الوطن ومؤسساته، خصوصا أن كل التدابير التي إتخذها القضاء كانت لتحصيل حق أو أكثر لبعض المودعين، فماذا عن عشرات آلاف المودعين المحتجزة أموالهم في الخزائن التي جرى ختمها بالشمع الأحمر؟، وكيف يمكن صرف رواتب أكثر من 60 بالمئة من اللبنانيين عبر المصارف؟، وكيف لأصحاب الودائع أن يحصلوا على المبالغ الشهرية التي تعطى لهم ضمن سقوف محددة؟، وماذا لو إتخذت المصارف قرارا بالاضراب المفتوح.
ولماذا كل ذلك يحصل قبل الانتخابات النيابية وخصوصا خلال فترة تشكيل اللوائح؟، وكيف يمكن لهذه اللوائح أن تفتح حسابات ضمن المصارف في حال إستمر الوضع على ما هو عليه؟ وكيف سيكون حال الموظفين في حال لم يقبضوا رواتبهم بداية شهر نيسان؟ فهل ما يُضمر في السر يختلف عما يُعلن؟، وهل ما يجري هو لتأجيل الانتخابات بعد سقوط “الميغاسنتر” الذي كانت جهات سياسية تعول عليه لتأجيل الاستحقاق؟
علما أن أسباب تأجيل الانتخابات تتراكم من تهديد القضاة بعدم ترؤس لجان القيد، الى تهديد المتعاقدين الثانويين بمقاطعة كل الاستحقاقات، الى الموظفين المعترضين على قيمة بدل الأتعاب في يوم الانتخاب، الى أزمات البنزين المفتعلة بشكل تدريجي، الى إمكانية إضراب المصارف على أبواب شهر رمضان ما سيضاعف من الأزمة الاجتماعية التي قد تنفجر في الشارع وتحقق هدف التأجيل من دون الاضطرار الى اللعب على الوتر الأمني.
واللافت، أنه في ظل الاستنسابية الواضحة في التعاطي القضائي مع المصارف، فإن ثمة غياب غير مبرر للمؤسسات القضائية من مجلس القضاء الاعلى الى التفتيش القضائي الى النيابة العامة التمييزية، ما إضطر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى عقد إجتماع إستثنائي لمجلس الوزراء للبحث في هذه الاجراءات التي تهدد العامود الفقري للبلد المتمثب بالقطاع المصرفي، وللتشاور مع القيمين على الجسم القضائي بما يحقق مصلحة الدولة العليا ومصلحة المودعين على حد سواء، لكن ثمة من سارع الى إستغلال الأمر لتصفية الحسابات مع الحكومة ورئيسها، وإستكمال تنفيذ الخطة التي يبدو أنها تعتمد على توزيع الأدوار!