هكذا واجه نابليون الطاعون.. وخرق الحجر الصحي

خلال حملاته العسكرية التي قادته لتأسيس إحدى أكبر الإمبراطوريات بالقرن التاسع عشر، اضطر الإمبراطور الفرنسي، نابليون بونابرت، لمواجهة العديد من الأعداء الشرسين.

فإضافة للبريطانيين والروس والنمساويين والبروسيين، واجه بونابرت أثناء حروبه الأمراض والأوبئة التي جاءت لأكثر من مرة لتعيق تقدمه وتضع حداً لطموحاته. وقبل اصطدامه بوباء التيفوس أثناء تدخله العسكري ضد روسيا عام 1812، وجد نفسه وجهاً لوجه مع مرض الطاعون في خضم حملته العسكرية على مصر عام 1798.

لوحة تجسد انسحاب بونابرت من روسيا

وفي الليلة الفاصلة بين 1 و2 تموز/يوليو 1798، حل الفرنسيون بالإسكندرية، التي عانت منذ بداية العام من تفشي الطاعون، حيث سجّل هذا الوباء انتشاره بها عبر الميناء قادماً، بحسب أغلب المؤرخين، من القسطنطينية قبل أن ينتقل نحو القاهرة. وخلال صيف 1798، تراجعت حدّة الوباء بالإسكندرية قبل أن يعود بموجة أكثر شدة في الشتاء ويتسبب في سقوط أعداد كبيرة من الضحايا في صفوف المصريين والفرنسيين.

في هذه الظروف الصعبة، حضّر الفرنسيون حملتهم العسكرية على سوريا التي انطلقت خلال شباط/فبراير 1799 لتسفر عن سقوط غزة ويافا في قبضتهم وفرض حصار خانق على عكا بداية من 19 آذار/مارس. وفي خضم هذه العمليات العسكرية، رافق الطاعون نابليون بونابرت، حيث امتلأ المستشفى الميداني قرب يافا بجثث جنوده الذين فارقوا الحياة بسبب المرض. وأملا في رفع معنويات جنوده وطمأنتهم، عمد بونابرت للاقتراب من المرضى ولمسهم في سعي منه لإقناعهم بأن الوباء غير معد.

لوحة تجسد بونابرت أثناء تفقده للمصابين بالطاعون في يافا

إلى ذلك وفي خضم الحملة على عكا التي استمرت نحو 4 أشهر، تنقل بونابرت برفقة 13 ألف جندي، فارق الآلاف منهم الحياة بسبب الطاعون. من جهة ثانية، حاول الجنرال الفرنسي تخفيف حدة الوباء بمصر فاتجه لفرض جانب من الإجراءات الصحية المنتشرة بأوروبا مساهماً بذلك في تقليص عدد الإصابات.

وفي خضم هذه الأجواء، قرر بونابرت العودة لوطنه. ووفق القوانين الفرنسية، أجبرت كل السفن القادمة من شمال إفريقيا والشرق الأوسط على المرور إما بميناء مرسيليا أو تولون للخضوع لإجراءات الحجر الصحي التي أجبرت الركاب على المكوث بمناطق مخصصة للعزل لفترات تراوحت بين 18 و25 يوماً.

خلال آب/أغسطس 1799، غادر بونابرت الإسكندرية رفقة أسطول حربي مكون من خمس سفن، كان أهمها السفينة مويرون (Muiron). وبدل التوجه نحو أحد الميناءين المخصصين للحجر الصحي، حل الجنرال الفرنسي بمسقط رأسه بمدينة أجاكسيو (Ajaccio) في جزيرة كورسيكا. ومع سماعهم خبر وصوله، احتار المسؤولون الصحيون بأجاكسيو بين طرد السفن واستقبالها، لكن في النهاية فضّل الجميع بعد ضغط من المسؤول جان باتيست بربيري (Jean Baptiste BARBIERI) الترحيب ببونابرت الذي نزل بأجاكسيو في اليوم التالي ليلقى استقبالاً حاراً بمسقط رأسه. وقبل مصافحته للحاضرين، عمد الجنرال الفرنسي لإجراء احتياطي بسيط فغسل وجهه ويديه بالخل قبل لقاء أهالي مدينته.

لوحة تجسد بونابرت أمام تمثال أبو الهول

وخلافاً للقواعد الصحية المعمول بها والتي سمحت لموانئ تولون ومرسيليا فقط بتقديم تراخيص سلامة السفن من الطاعون، منح مسؤولو ميناء أجاكسيو بونابرت وطاقمه هذه التراخيص ليتنقل بذلك الجنرال الفرنسي لاحقاً نحو منطقة سانت رافاييل بإقليم فار حيث استقبله مسؤولون صحيون تابعون لبلدية فريجوس.

وتماماً كأجاكسو، ذهل مسؤولو فريجوس عند مشاهدتهم لبونابرت وفضّلوا السماح له بالعبور وقبول التراخيص المقدمة من أجاكسيو، مخالفين بذلك القوانين التي أقرتها فرنسا لمراقبة السفن القادمة من المناطق الموبوءة.

يذكر أنه طيلة الأشهر التالية أثارت مخالفة بونابرت لإجراءات الحجر الصحي ضجة بفرنسا، حيث احتج مسؤولو موانئ تولون ومرسيليا على الأمر وتبادلوا الاتهامات مع وزارتي البحرية والداخلية. كما ألقى مسؤولو بلدية فريجوس باللوم على مسؤولي أجاكسيو واتهموهم بمخالفة القوانين وتقديم تراخيص مشبوهة لبونابرت. ومع نجاح انقلاب الجنرال الفرنسي في تشرين الثاني نوفمبر 1799، عرفت هذه الأزمة نهايتها دون أن تصدر أية عقوبات صارمة في حق المسؤولين.

Comments are closed.